وقال الزجاج -وهو أحسن ما قيل فيها- (١): هو الذي خلقكم فمنكم كافر بأن الله خلقه -وهو مذهب أهل الدهر والطبائع- (٢) ومنكم مؤمن بأن الله خلقه (٣).
وجملة القول في حكم هذِه الآية ومعناها والذي عليه جمهور الأمة، والأئمة والمحققون من أهل السنة: هو أن الله تعالى خلق الكافر وكفره فعلًا له وكسبًا (٤)، وخلق المؤمن وإيمانه فعلًا له وكسبًا، فالكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه؛ لأن الله تعالى قدر ذلك عليه، وعلمه منه، والمؤمن يؤمن ويعتاد الإيمان بعد خلق الله تعالى إياه" لأن الله تعالى أراد ذلك

(١) في الأصل: منها، والمثبت من (ت) لدلالة السياق، إذ إن هذِه الجملة معترضة من كلام المصنف يستحسن فيها ما حكاه عن الزجاج.
(٢) وهذِه أيضًا جملة تفسيرية من المصنف.
وأهل الدهر والطبائع هم من أنكر الخالق، والبعث والإعادة، وقالوا بالطبع المحيي، والدهر المفني، وهم الذين أخبر الله عنهم في القرآن المجيد بقوله: ﴿وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ﴾ فالجامع عندهم هو الطبع، والمهلك هو الدهر. وهؤلاء صنف من معطلة العرب. انظر: "الملل والنحل" للشهرستاني (ص ٤٩٠).
(٣) "معاني القرآن" للزجاج ٥/ ١٧٩ - ١٨٠، وحكاه عنه كذلك الماوردي في "النكت والعيون" ٦/ ٢٠، وابن الجوزي في "زاد المسير" ٨/ ٢٨١، والقرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" ١٨/ ١٣٣.
وهذا القول اختاره الطبري في "جامع البيان" ٢٨/ ١١٩.
(٤) في (ت)، وكل من نقل عن المصنف: (فعل له وكسب) بالرفع. ويصح فيها الوجهان.


الصفحة التالية
Icon