وروى ليث عن مجاهد ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾، قال: من منتهى أمره من أسفل الأرضين إلى منتهى أمره من فوق السموات بمقدار خمسين ألف سنة، ويوم ﴿كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ (١) يعني بذلك نزول الأمر من السماء إلى الأرض ومن الأرض إلى السماء في يوم واحد فذلك مقدار ألف سنة، لأن ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمس مائة عام (٢).

(١) السجدة: ٥.
(٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "الأهوال" (ص ١٨٢) (١٦٤)، والطبري في "جامع البيان" ٢٩/ ٧١، وذكره البغوي في "معالم التنزيل" ٨/ ٢٢٠.
وهذِه الآية التي في المعارج: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤)﴾ وقوله تعالى في سورة الحج: ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [آية: ٤٧] مع قوله تعالى في سورة السجدة: ﴿يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (٥)﴾ [السجدة: ٥].
فهذان الموضعان قد يوهم ظاهرهما التعارض، وقد جمع العلماء بينهما بوجهين:
الأول: ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن يوم الألف في سورة الحج هو أحد الأيام الستة التي خلق الله فيها السموات والأرض، ويوم الألف في سورة السجدة هو: مقدار سير الأمر وعروجه إليه تعالى، ويوم الخمسين ألف هو يوم القيامة.
الثاني: أن المراد بجميعها يوم القيامة، وأن الاختلاف باعتبار حال المؤمن والكافر. ويدل لهذا قوله تعالى: ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)﴾ [المدثر: ٩ - ١٠].
وروى أبو عبيد في "فضائل القرآن" (ص ٣٧٦)، وابن أبي حاتم عن ابن عباس أنَّه سئل عنهما فقال: هما يومان ذكرهما الله تعالى في كتابه الله أعلم بهما، ما أدري =


الصفحة التالية
Icon