جوف الجبال فيجيبه فيها صوت يقال له: الصدى، يجيبه ولا ينفعه، فيكون تأويل الآية على هذا القول: ومثل الكفار في عبادتهم الأصنام كمثل الناعق بما لا يسمع منه الناعق إلَّا (دعاء ونداءً) (١).
ثم قال: ﴿صُمٌّ﴾ أي: هم صم. والعرب تقول لمن يسمع ولا يعقل ما يسمعه: كأنَّه أصم.
قال الشَّاعر:
أصمُّ عما ساءه سميعُ (٢)
﴿بُكْمٌ﴾ عن الخير فلا يقولونه. ﴿عُمْىٌ﴾ عن الهدى فلا يبصرونه. ﴿فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾.

= وردَّ الزمخشري في "الكشاف" ١/ ٢١٢ هذا القول بحجة أنَّ قوله: ﴿إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً﴾ ولا يساعد عليه؛ لأنَّ الأصنام لا تسمع شيئًا. ومثله الرَّازيّ في "مفاتيح الغيب" ٥/ ٨، وقبله السمعاني في "تفسير القرآن" ٢/ ١٢٨.
وتعقَّب أبو حيان هذِه الحجة؛ بأنَّ التشبيه وقع في مطلق الدعاء لا في خصوصيات المدعو، فشبَّه الكافر في دعائه الصنم بالناعق بالبهيمة، لا في خصوصيَّات المنعوق به.
"البحر المحيط" ١/ ٦٥٦.
(١) في (ج)، (ت): دعاءه ونداءه.
انظر: "جامع البيان" للطبري ٢/ ٨٢، "تفسير القرآن" للسمعاني ٢/ ١٢٨، "معالم التنزيل" للبغوي ١/ ١٨٢، "مفاتيح الغيب" للرازي ٥/ ٨.
(٢) "معاني القرآن" للزجاج ١/ ٢٤٢، "النكت والعيون" للماوردي ١/ ٢٢١، "المحرر الوجيز" لابن عطية ١/ ٢٣٨، "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي ٢/ ١٩٨ "لسان العرب" لابن منظور ٧/ ٤١١ (صمم) وقال: يقول: يتصامم عما يسوءه، فكان كأنَّه لم يسمع، فهو سميع ذو سمْع، أصم في تغابيه عما أريد به.


الصفحة التالية
Icon