بالأيام ليس ما يفهم من أن اليوم من طلوع الشمس إلى غروبها، كما نصت عليه التوراة التي بأيدي اليهود اليوم، لأنه قبل خلق السماوات لم تكن شمس ولا نهار ولا ليل، ولكن المراد بها الأطوار التي تقلبت على السماوات والأرض، واليوم الذي يتم به أمر ظاهر، من أنها كانت موجًا مكفوفًا، ثم صار الكل رتقًا، ثم فتق كل منها عن الأخرى، فانفصلت الأرض، ثم بردت بعد أن كانت ملتهبة، ثم تكونت فيها الجبال والوهاد والسهول والأبحر، ثم صارت صالحة لسكنى الحيوان، فانتهاء كل طور من هذه الأطوار يسمى: يومًا، و ﴿يوم الدين﴾ هو: مقدار ما يتم به جزاء العباد وحسابهم، و ﴿الدين﴾ يطلق على الجزاء والمكافأة، وعلى الطاعة وعلى الإخضاع وعلى السياسة، ومعناها هنا: مالك يوم البعث والجزاء، يوم يخضع الخلق خضوعًا كاملًا لعزته وعظمته، يوم يفرق بين المحسن والمسيء، والمطيع والعاصي، والموافق والمخالف، وذلك لا يظهر إلا يوم الجزاء.
واعلم أن من سلّط الظالم على المظلوم، ثم لا ينتقم منه، فإن ذلك لا يكون إلا لعجز أو لجهل، أو لرضاء منه بذلك الظلم، وهذه الصفات الثلاث محال على الله تعالى، فوجب أن ينتقم للمظلومين من الظالمين، ولما لم يحصل هذا الانتقام في دار الدنيا، علم أنه لا بد من حصوله في الآخرة، وهذا هو المراد بقوله: ﴿مالك يوم الدين﴾ وخص بالذكر لامتيازه عن غيره من سائر الأيام، لأن الجزاء على الأعمال، وإن كان يقع في الدنيا، لكنه ربما لم يظهر لأربابه إلا للبعض دون الآخر، وأما يوم الجزاء فإنه يظهر ظهورًا تامًا لعموم الخلق، فمن ثم سمي ذلك اليوم يوم الجزاء دون غيره، والأولى أن يجعل الجزاء عامًا لما في الدنيا والآخرة، بمعنى أنه تعالى مالك ليوم الجزاء المطلق، فلا جزاء في الدنيا ولا في الآخرة، إلا وهو مالك له، إن شاء صرفه عن المجازى، وإن شاء أوصله إليه.
وهذه الأوصاف التي أجريت على الله (١) تعالى من كونه ربًا مالكًا للعالمين، لا يخرج منهم شيء من ملكوته وربوبيته، ومن كونه منعمًا بالنعم كلها، الظاهرة