بالاستعاذة به، والالتجاء إليه، فسأله عن كيفية التخلص قائلًا: يا من أفاض الإحسان على سائر الموجودات، إليك ألتجئ في عبادتي للتخلص ممن يريد صرفي عنها، وبك أستعين عليه. فأجاب تعالى طلبه، وقال له: قل في أكثر أحيانك: ﴿اهدنا الصراط المستقيم﴾.
فكأنه يقول: إني كلما سلكت طريقًا من شأنه أن يوصلنا إلى رضاك، فوسوس لي الوسواس الخناس في العدول عنه، وزين لي غيره، فإنى ألتجئ إليك لتهديني إلى صراطك المستقيم، وحينئذ لا حاجة إلى أن يقال: إن من خصَّ الحمد بالله تعالى، وأجرى عليه الصفات المشتملة على أحوال المبدأ والمعاد وما بينهما، وحصر العبادة والاستعانة فيه كان مهتديًا، فكيف يطلب الهداية، والهدى مرجع الضال إلى ما ضل عنه.
و﴿الصراط﴾: الطريق الخطر السلوك لتشعبه، وكثرة الصادّين عنه، ولذا وصفه بـ ﴿المستقيم﴾، أي المستوي، وهو طريق الحق، قال تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ [الشورى]، وهذا تفسير للمستقيم، وقال لنبيه المصطفى - ﷺ -: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ [الأنعام: ١٥٣].
ولما كان السائر على صراط الله سبحانه وتعالى لابد وأن يتحمل المشاق العظيمة، وتتسلط عليه أعداء الحق بنسبة النقائص إليه زورًا وبهتانًا، كما جرى ذلك للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كما يعلمه من اطلع على تاريخ حياتهم، وعلى سيرة النبي - ﷺ -، وكما جرى للصحابة والعلماء الذين صدعوا بالحق، وكان من جملة الهداية إلى الطريق المستقيم إرشاد الخلق إلى الحق، وكان فيه من المشاق ما يعلمه من اطلع على سيرتهم لا جرم وصف الله تعالى الصراط المستقيم بقوله: ﴿صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ﴾ ليتأسى طالب الهداية بهم، إذا حصل له من أعدائه الضرر والرمي بالزور والبهتان، فيقول إذا أصيب بشيء: لي أسوة بالذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، فيذهب عنه ما يجده من الوحشة والقلق، ويصبح نشيطًا منشرح الصدر، غير متوان عن قصده.


الصفحة التالية
Icon