كائناته، بل إنه أعلن ذاته للبشر بطرق مختلفة، بواسطة كلمته التي كون بها العالم، ثم إن تلك الكلمة عندهم صارت جسدًا، وحلت في العالم، وذلك الجسد هو ابنه الذي جعله وارثًا لكل شيء، قالوا: وهذه هي كلمته المنزلة، وهي ليست كتابًا أو غيره من الجماد، بل كيان حي، ذو وجدان وحياة تجسد وتأنس، وحل بينهم مدة قصيرة، ثم إن أفعاله وأقواله دونت في الأناجيل، التي هي بين أيدي النصارى اليوم، وهذا الاعتبار لما كان المسيح كلمة الله على زعمهم، كانت جميع أقواله وأفعاله موحى بها، حتى نفس أقواله غير المنطوق بها، فليس الإنجيل على رأيهم كتاب منزل من الله تعالى، وإنما هو نفس كلام عيسى، ونفس حكاية أحواله، فهو منزل عندهم منزلة الأحاديث، فينكرون أن يكون الإنجيل، أو أي كتاب آخر، نزل على عيسى، لأنه هو نفسه كان الكلمة، فلم تكن الكلمة عنده، وهو كان نفسه إعلان الله، فكيف يصح القول بأن كتابًا ما، أو غيره من وسائط الإعلان، أُنزل عليه؟
وخلاصة القول عندهم، أن هذه الكلمة لم تنقطع بعد صعوده إلى السماء، بل هي باقية مستمرة تؤخذ بواسطة الروح القدس وإلهامه، فأعمال بولس وبطرس ويعقوب ويوحنا، وغيرهم، وأقوالهم، هي جزء من إعلان الله بالمسيح.
هذا ما علمناه من رأي الفريقين مما هم عليه الآن، ولكن ويا للأسف إن هذه الكلمة نزلت إلى الأرض، فتسلط عليها أناس ضعاف فصلبوها بزعمهم، ولم تقدر على خلاص نفسها، واستجارت فلم تجد مجيرًا، بل بقيت تحت قهر قوم، لو عادَوا مثل عنترة لأبادهم عن آخرهم، فوا رحمتاه كيف رأى الآب ابنه مصلوبًا وهو ساكت لا يتحرك، وقلبه يتفطر على ولده، حيث لم يكن له حيلة في خلاصه، فما أفظع هذه المقولة، وما أجمد ذهن معتقدها (١).
وأنت علمت مما تقدم أن أهل الكتابين، لم يعتقدوا نزولهما من عند الله