ماهية الإيمان، لكان الواجب على الرسول - ﷺ -، أن لا يحكم بإيمان أحد إلا بعد أن يعرف الحق في تلك المسألة، ولو كان الأمر كذلك، لاشتهر قوله في تلك المسألة بين جميع الأمة، ولنقل ذلك على سبيل التواتر، فلما لم ينقل ذلك دل على أنه عليه الصلاة والسلام لم يوقف الإيمان عليها، وإذا كان لم يوقف الإيمان عليها، وجب أن لا تكون معرفتها من الإيمان، ولا إنكارها موجبًا للكفر.
وإن كان الثالث: وهو الذي لا سبيل إلى معرفته إلا بأخبار الآحاد وروايتهم، فظاهر أنه لا يمكن توقف الكفر والإيمان عليه، وهذا هو الذي اطمأن إليه الفخر الرازي، وقال: "إنه هو القول الحق"، وأنت خبير بأن ما جاء به الرسول: اعتقاد، وقول، وعمل، وأن كل فرد من أفراد ما علم أنه من الدين بالضرورة، لا يتم إلا إذا أقرّ به المكلف إقرارًا شاملًا للثلاثة؛ فالإيمان بوجود الله تعالى، لا بد من أن يعتقده المكلف بقلبه، وإلا كان منافقًا، ولا بد أن تكون أقواله وأفعاله، أقوال وأفعال من يصدق بوجود الله تعالى، وإلا كان مستهزئًا، وكذلك الصلاة، إذا لم يعتقد المكلف بها وجوبها، كان ممن أخبر تعالى عنهم بقوله: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ﴾ [الماعون: ٤ - ٧] وإذا اعتقد وجوبها، ولم يصرح به، ولم يفعلها، اختل شطران من الإيمان بها، وحينئذ لا محيص عن قول السلف: الإيمان قول وفعل، ويزيد وينقص، قال الله: ﴿لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ﴾ [الفتح: ٤] ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر: ٣١] إلى غير ذلكم من الآيات، الدالة نصًا وتصريحًا على أن الإيمان يزيد وينقص.
وقال "ابن أبي مليكة": أدركت ثلاثين من أصحاب النبي - ﷺ -، كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبرائيل، وميكائيل.
و﴿سواء﴾ اسم بمعنى: الاستواء، جرت على ما اتصف بها، كما تجري المصادر على ما اتصف بها، كأنه قيل: إن الذين كفروا مستو عليهم إنذارك وعدمه، وهذا بناء على أن ﴿سواء﴾ خبر ﴿إن﴾، وقوله: ﴿أأنذرتهم أم لم تنذرهم﴾، في


الصفحة التالية
Icon