أيضًا: أن الله ندم على خلق البشر في الأرض، وشق عليه، إلى غير ذلك مما هو مصرح به في توراتهم، فأي إيمان لهم بالله وباليوم الآخر، مع وجود هذه الكفريات.
ويندرج في هذا القسم من يقول بأنه مؤمن بالله ثم ينتحل الزندقة والإلحاد، ويدعي الحلول، وأنه تعالى حال في جميع الأشياء، أو في بعضها، أو أن له مشاركًا في أفعاله من جماد أو حي، أو ميت. كما هو زعم كثير من الفرق المنتمية إلى الإسلام في زمننا هذا، بل ضرر هؤلاء على الدين أشد من ضرر غيرهم عليه، لأنهم يتلبسون به، ويدعون الزهد والتقى والصلاح، ثم يبثون مقاصدهم لأولي العقول السقيمة، فيأخذونها على أنها من الأسرار الربانية المفاضة عليهم من عالم القدس، فهؤلاء أعظم ضررًا من المنافقين.
ثم إنه تعالى بيَّن علة عقول أولئك الذين نعتهم وخفة حلومهم، بأنهم يخادعون من لا يخادَعُ، ولو كان عندهم نوع من الشعور، أو شيء من الإدراك لما فعلوا ذلك، فقال:
﴿يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (٩)﴾.
والخديعة: إظهار ما يوهم السلامة والسداد، وإبطان ما يقتضي الإضرار بالغير، والتخلص منه، فهو بمنزلة النفاق في الكفر، والرياء في الأفعال الحسنة، ولما كان هؤلاء لا يعرفون الله تعالى حق معرفته، ولا يعلمون بأنه عالم بخائنة الأعين، وما تخفي الصدور، قادهم الجهل إلى تشبيهه تعالى بخلقه، فظنوا أن الخداع يروج عليه كما يروج على المخلوقين، فكذب ظنهم تعالى بقوله: ﴿وما يخدعون إلا أنفسهم﴾، وفضحهم وأبان ما استكن في نفوسهم، بأن ما يظهرونه بألسنتهم من القول والتصديق، خلاف الذي في قلوبهم من الشك والتكذيب ليدرؤوا عن أنفسهم، بما أظهروا بلسانهم حكم الله عز وجل، اللازم من كان بمثل حالهم من التكذيب، لو لم يظهر بلسانه ما أظهر من التصديق والإقرار من القتل والسباء، فذلك معنى خداع المنافق ربه، وأهل الإيمان بالله تعالى، وهذا أولى من قول من قال: إن الله ذكر نفسه في قوله: ﴿يخادعون الله﴾، وأراد به رسوله على عادته في تفخيم أمره، وتعظيم شأنه، قال:


الصفحة التالية
Icon