كل الذي نقلته لك عن " الشاطبي" ومن قبله" الشافعي" دالٌ دلالة بينة محققة على أنه فريضة علمٍ ودينٍ على كل من قام إلى النظر في معانى الهدى في بيان الوحي: الكتاب والسنة أن يكون العليمَ بلسان العربية عما يخرجه عن الجهالة بمنهاج الناطقين به زمن نزول الوحي في الإبانة والتلقي، فلا يتلبس بشيء من الجهالة بخصائص هذا اللسان التى هي قائمة على كمالها في بيان الوحي كيما يتحقق الفهم عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد هدي الله عز وجل إلى أنَّ
من نعمه على خلقه أنْ جعلَ من أرسله إليهم من النبيين والمرسلين بلسان من أُرْسِلُوا اليهم في كلِّ عصرٍ ومصرٍ:
" وَمَا أَرْسَلْنا مِن رسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ﴿ابراهيم: ٤﴾
وقد كان من " الشافعي" في الرسالة تبيان لبعض خصائص لسان العربية زمن الوحي يغري به طلاب العلم بمعانى الهدي إلى الصراط المستقيم في كتاب الله عز وعلا وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم قائلا:
" إنما خاطب الله بكتاب العرب بلسانها على ما تعرف من معانيها.
وكان مما تعرف من معانيها اتساع لسانها، وأنَّ فِطرتَه أن يُخاطبَ بالشيء منه عاما ظاهرًا يراد به العام الظاهر، ويستغنى بأول هذا منه عن آخره.
وعاما ظاهرا يراد به العام، ويدخله الخاص، فيستدل على هذا ببعض ما خوطب به فيه.
وظاهرًا يراد به الخاص.
وظاهرا يُعرفُ في سياقه أنه يراد به غير ظاهره
فكل هذا موجود علمه في أول الكلام أو وسطه أو آخره.
وتبتدأُ الشيء من كلامِها يُبينُ أوَّلُ لفظها فيه علم آخره
وتبتدئُ الشيْءَ يُبِينُ آخرُ لفظها منه عن أولِه.
وَتَكَلَّمُ بالشيْء تُعَرِّفُهُ بالمعنَى دون الإيضاحِ باللفظِ، كما تُعَرِّفُ اٌشَارةَ، ثُمَّ يكونُ هذا من أعلى كلامها؛لانفرادِ أهلِ علمِها به دون أهلِ جهالتها.