وذلك أنَّ "أبا عمر" كان صاحب حديثٍ فلما علِمَ كتابَ" سيبويهِ " تفقَّهَ في الدِّينِ والحديثِ؛ إذْ كان ذلك أي كتاب " سيبويهِ " يُتَعَلَّمُ منه النظر والتفتيش " (١)
يقول " الشاطبي " في "الموافقات: " والمراد بذلك أن سيبويه وإن تكلم في " النحو" فقد نبه في كلامه على مقاصد العرب، وأنحاء
تصرفاتها في ألفاظها ومعانيها، ولم يقتصر فيه على بيان أنَّ " الفاعل " مرفوع، و" المفعول" منصوب ونحو ذلك
بل هو يبين في كل باب ما يليق به حتى إنه احتوى على " علم المعانى والبيان" ووجوه تصرفات الألفاظ والمعاني "......
" فالحاصل أنه لاغنى بالمجتهد في الشريعة عن بلوغ درجة الاجتهاد في كلام العرب بحيث يصير فهم خطابها له وصفا غير متكلف ولا متوقَّف فيه في الغالب إلاَّ بمقدار توقف الفطن لكلام اللبيب "
وإذا ماكان بلوغ درجة الاجتهاد في فقه مذاهب العربية في الإبانة عن المعانى أداة ريئسة للمتدبر بيان الكتاب والسنة يستخرج منهما أحكام الشريعة فإنَّ ذلك الأمر ليبدو أثرُه قويًا في الوقوفِ على معالم " التثقيف" للنفس الإنسانية في البيان القرآني. وتفاوت العلماء في هذا أعظم من تفاوتهم في إدراك أحكام الحلال والحرام منه.
اتقان فقه العربية من أعظم آلآت العالم في استجلاء مسالك التهذيب للأمة؛ لتقبل على أحكام الله عز وجل إقبالا مبعثه الحب والخوف والرجاء، فتكون إقامتهم في رياض الطاعة الخالدة.
والله عز وجل لم يرض من عباده أن يحتمكوا إلى كتابه الكريم وسنة نبيه ﷺ فحسب بل أوجب عليهم التسليم والرضا
بذلك، وإلا كانوا الخارجين من حمى الإسلام والإيمان:
" فَلا وَرَبِّكَ لايُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفِسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " ﴿النساء: ٦٥﴾