وإن من النصيحة لكتاب الله تعالى أن تصرف العناية التامة والاجتهاد البليغ إلى إتقان فقه هذا البيان العَلىِّ، والمصابرة على الغوص في أعماق قاموسه المحيط، فإنك لن تجد فقيها بالكتاب والسنة إلا من فقهه عربية هذا البيان المعجز
وإذاما كان فقه الكتاب والسنة فريضة لازبة، فكذلك ما يكون الطريق إلي ذلك الفقه: العلم بلسان العربية وخصائص الإبانة فيه عن حقائق المعانى ودقائقها ولطائفها هوأيضًا فريضة لازمة لازبة على كل طالب علم بالكتاب والسنة.
ولهذا حرَصت هذه الدراسة العربية على أن تتخذ منهجا يتلبث قليلا عند الكلمات التى بُنِيَ منها هذا البيان العَلِىُّ المعجز وهي كلمات عربية، ليست من العجمة في شيء، فليس في القرآن الكريم كله كلمة أعجمية واحدة هي فيه على ما في أي لسان أعجمى
ما ظُنَّ أنه أعجمي في أصله كما جاء عن بعض أهل العلم، فإن بيان الوحي قد أعاد صياغته بما يوائم عربية البيان، وكأنَّ في هذا إشارةً إلى أن من كان أعجميًا واتخذ الإسلام دينًا فإنه يستحيل بهذا من أعجميته الفكرية والعقدية والبيانية إلى أن يكون عربيا مسلم الفكر والعقيدة والبيان.
تلبثت الدراسة عند بعض المفردات تنظر في صورها وصيغها ودلالاتها لعل في ذلك عونًاعلى حسن فقه معانىالتراكيب والصور.
وحرَصت على أن تتلبث قليلا عند بيان بعض الوجوه الإعرابية لتراكيب هذا البيان تنظر في العلاقات الإعرابية بين الكلمات في بناء الجمل، وفي العلاقات الإعرابية بين بعض الجمل، فإنَّ حسن فقه مواقع الكلمات والجمل وعلاقتها الإعرابية مفتاح عظيم من مفاتح فقه بيان الوحي: كتابا وسنة.
ثم كان لهذه الدراسة تلبثٌ مديدٌ في النظر في السَّمَاتِ البلاغية لهذا البيان، وحرصت على أن تمزج النظر في السمات البلاغية بالنظر في لطائف معانى الوحي، وما تفيض به تراكيب بيان الوحي من دقائق ولطائف معانى الهدى إلى الصراط المستقيم.


الصفحة التالية
Icon