" الغريب من الكلام إنما هو الغامضُ البعيدُ من الفهمِ، كالغريبِ من الناسِ، إنما هو البعيدُ عن الوطن المنقطع عن الأهل، ومنه قولك للرجلِ إذا نحَّيْتهُ وأقصَيته: اغربْ عنِّي: أي ابعدْ، ومن هذا قولهم: نوىً غُرْبَةً: أي بعيدةً، وشَأْوٌ مُغَرِّبٌ، وعنقاءُ مُغْرِبٌ: أي جائيةٌ من بُعْدٍ. وكلُّ هذا مأخُوذٌ بعْضُهُ من بعْضٍ، وإنما يختلفُ في المصادرِ، فيقال: غرب الرجلُ يغْرُبُ غَرْبًا إذا تنحَّى وذهبَ، وغرُبَ غُرْبةً إذا انقطع عن أهله، وغرُبت الكلمةُ غَرَابةً، وغرُبتِ الشمس غرُبًا
ثُمَّ إنَّ الغريب من الكلام يقال به على وجهين:
= أحدهما: أن يراد به بعيد المعنى غامضه لايتناوله الفهمُ إلا عن بعدٍ ومعاناة فِكْرٍ
= والوجه الآخرُ: أن يُرادَ به كلامُ من بعُدَتْ به الدَّار ونأى به المحلُّ من شواذِّ قبائلِ العربِ، فإذا وقعت إلينا الكلمةُ من لغاتهم استغربناها، وإنما هي كلام القوم وبيانهم.
وعلى هذا ما جاء عن بعضهم، وقال له قائلٌ: أسألك عن حرف من الغريبِ فقال: هو كلام القوم، إنَّما الغريب أنت، وأمثالك من الدُّخلاء فيه " اهـ (٢)
وليس يخفى عليك من بيان " الخطابي" أن مفردات القرآن الكريم لن تكون البتة من الوجه الأول من وجهي الغريب، وإنما هي من الوجه الآخر، فنحن الغرباء عن بيانها، الذين ارتحلت بنا العجمة عن ديار أجدادنا الفرسان ارْتِحالَ جَنَانٍ ولسانٍ وأخلاقٍ لا ارتحال أجساٍد وديارٍ وأزمان.

(١) هو الإمام: أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي البستىالشافعي (٣١٩-٣٨٨هـ) من آثاره: رسالة في إعجاز القران [ط] شرح صحيح البخاري [ط] معالم السنن شرح سنن أبي داود [ط] شأن الدعاء: شرح أسماء الله الحسنى [ط] غريب الحديث [ط] إصلاح غلط المحدثين [ط] العزلة [ط]
(٢) غريب الحديث: ١/٧. ـ ت: عبد الكريم العزباويـ ط: ج أم القرى ـ ١٤. ٢


الصفحة التالية
Icon