وفي قوله (لكم) زيادة في تصوير ما كان من المتثاقلين ـ وهم غير كثير ـ وأنهم قد أعرضوا عن خير عظيم قد ووجهوا به وكوفحوا به مباشرة، فهم المنصوب لهم القول الملقي به في آذانهم، والمؤذن به في ديارهم، ومن كان هذا شأن دعوته لايكون منه إلا القومة نصرة للداعي، وهم الذين كانت أجدادهم في الجاهلية، لا تنتهى صرخة الاستنصار بهم إلا وهم على صهوات جيادهم، وقد عَلِقَتْ السيوفُ في عواتقهم يطيرون حيث المستنصر زرافات ووحدانا، فما بالهم اليوم، وقد سلك الله تعالى بفضله الإيمان في قلوبهم، وأقامهم من خلف أحب وأعظم من خلق من العالمين؟
أي فعلة تلك التى كانت من تلك الشرذمة القليلة من المتثاقلين؟
وأىُّ إخلاد إلى النعمة الزائلة الذي أخذ بهم؟
وكم هي محطمةٌ مقاربةُ المحبةِ لشهواتِ الدنيا الدَّانية الدَّنِيَّة؟
في قوله (لكم) تصوير لما كان من حالهم لايكون لنا علم به إذا ما طوي ذكره، ويزيد في هذا اقتدارًا تقديمُه على " انفروا | " فكأنهم قد بلغوا حدًا من الرغبة عن النِّفار في سبيل الله افتقروا معه إلى أن يقال لهم انفروا، وشأن المسلم أن يكون على أهبة واستعداد وتطلع إلى نعيم الجنة. |
وإنما يراد منهم النفرة: أي الخروج السريع والفزع العظيم بجٍِّد دونما تَلَبُّثٍ وتردد أو تبيُّن، وكأنَّ أمرًا مُبِيرًا سيَحِلُّ بهم، فما عليهم إلا المبادرة والمسارعة إلى الخروج في سبيل الله
ويبقى افْتِقاري إلى النظر في تعدية الفعل (انفروا) بـ" في" من دون قوله " إلى" كما يهدي إليه ظاهر النظر، إذ يقال: نفر إليه ونفر عنه