الأول خاص مرتبط بسبب النزول
والثانى عام صالح لكل من تساقط عن العلِيِّ من المنازل الماجدة إلى الدركات السافلة من متع الحياة الدنيا في كل شأن من شئون الحياة.
وفي الوجهين تثريب عظيم لايطيقه عربي فضلا عن عربي مسلم صحابي، فشأن العربي أنَّه أهل تجارة وجهاد، وليس أهل زراعة
وقد هدى النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم إلى أنَّه قد جعلت الجنة تحت ظلِّ السيف.
روى الشيخان أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه قال:
" اعلموا أنّ الجنة تحت ظلال السيوف" (الرواية لمسلم ـ الجهاد: ح. ر: ٢./ ١٧٤٢)
فمن مال إلى ظلِّ شجرة وأعرض عن ظل السيف فقد غبن نفسه، وشأن العربي القُحّ أنَّه لايرضى الدنية في شيء من حياته، فكيف بعربي مسلم صحابي؟!!
ومن ثَمَّ جاء الاستفهام الإنكاري التوبيخي التسفيهي الدَّال على ضلال الاختيار في الجملة التى من بعدها:
بلاغة الاستفهام في قوله تعالى:
(أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة)
الاستفهام في " أرضيتم" إنكاريٌّ توبيخي تسفيهي، بمعنى ما كان ينبغي لكم أن يكون منكم ذلك، وفي تسليط الاستفهام الإنكار التوبيخي على فعل (رضي) دلالة على أن الذي كان منهم ليس مجرد ميل أو تطلُّعٍ إلى شيء من الحياة الدنيا، إنهم قد تجاوزوا ذلك إلى ما هو أوْغَلُ في البُعدِ عما يُرضي ربهم سبحانه، إنهم السَّاقطون في درْكِ الرضوان بهذه الدنيا
والرضا قائم من انشراح النفس بما ترضى به، فهو استغراق في مُخادَنَةِ الشيء مخادنة فتَّحت المغاليق فانشرحت النفس وأنست، وهذا ما تنفر النفس السَّوِيَّةُ من مجرد أن يُنْسبَ إليها، فكيف الرِّضا بالوقوع منها؟ بل كيف الرضا بالوقوع فيه؟
وفي قوله (أرضيتم) من بعد (إلى الأرض) توقيع نغميٌّ يلفت القلب إلى ما بين الأمرين، وهما عظيمان في تآخيهما، وتناغيهما: هنالك تساقط وتثاقل إلى التى لايأنس بها إلا ساقط الهِمَّة، وهنا إنكار لانشراح النفس بما هو دَنِيءٌ وَضِيعٌ، فهما وإن تناغيا إيقاعًا إِلاَّ أَنَّهُما أيضًا متقاربان غاية، فهذا من التجنيس الحامل في نغمه فيضًا من لطائف المعانى، والذي تركُه عقُوقٌ بالمعنى