فإذا جئنا إلى سورة القصص الكريمة وجدنا أن مادة (طغى) وردت فيها
(معنى)، وإن مادة (تكبر) وردة فيها لفظاً ومعنى من خلال مفهوم النص، والمزج بين الوارد لفظاً ومعنى يدلنا على اقتضاء معرفة السياق القرآني. فقوله تعالى فيها: ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ ((١))، فيه دلالة التكبر العام. وفي ذلك يقول مصلح رافع:
" والقارئ للآية الرابعة من سورة القصص يجد أن إفساد فرعون في الأرض كان بسبب طغيانه وكفره وتكبره وعتوه لأمارة في نفسه (الحمقاء) من أن الملك الأرضي معادل للملك الإلهي العام، لذلك ظن أنه صار الرب، فعاث في الأرض فساداً، ولكن العلو في الأرض بالنسبة له مفهوم مجازي، فهو يرى نفسه الأعلى ـ وحاش لله ـ كما في قوله: ﴿تَجْرِي مِنْ تَحْتِي﴾ ((٢))، وقوله لهامان: ﴿ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إله مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا﴾ ((٣))، لذلك كان ما ورد عنه في سورة القصص مشعراً بحمقه، في عين الوقت المشعر بطغيانه " ((٤)).

(١) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٤.
(٢) سُوْرَة الزُّخْرُفِ: الآية ٥١.
(٣) سُوْرَة غَافِرِ: الآيتان ٣٦ –٣٧.
(٤) آيات الإفساد في الَقُرْآن الكَرِيم. د. رشدي أحمد. الطبعة الأولى. دار المعارف الجامعية. الإسكندرية. ١٩٨٤ م.: ص ١١.


الصفحة التالية
Icon