فتجد في مفهوم النص الطغيان المادي لتلك القرى التي بطرت فاستكبرت وطغت، ويقول تعالى في الطغيان البشري والتكبر الروحي: ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ ((١)).
ثم يقول تعالى في ذلك السياق: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ ((٢)).
ثم يقول تعالى: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ ((٣)).
فتجد أن البغي القاروني كان بسبب تكبره وطغيانه في الأرض بماله الذي هو رزق الله عز وجل والذي ليس له منه مقدار شعرة.
والنص القرآني واضح كل الوضوح في أن هذا التكبر لا عاقبه له إلا أن يخسف بالمتكبر وبداره الأرض ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْض﴾ ((٤)).
ويذكر الله تعالى في نقض مفهومي التكبر والطغيان على حد سواء في السورة نفسها ﴿تِلْكَ الدَّارُ الأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادا ً﴾ ((٥))، فتجد أن السياق القرآني يتواصل معك في استقرار نفسي يجعلك تنبذ في ذاتك (إن كان فيك ذرة من كبر، أو طغيان). وهذا من بدائع إعجاز النص القرآني في سورة القصص. وذلك لأن سياق بعض الآيات في سورة القصص ـ وخاصة ما ورد منها في شان مادتي الطغيان (مفهوماً) والتكبر (لفظاً) على حد سواء ـ يجعل القارئ والسامع والمخاطب بها يستشعر في نفسه أن كلّ ذلك التكبر والطغيان مما يستحي منه لا مما يتفاخر به لان قوله تعالى فيها: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الأَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً﴾ ((٦)).
(٢) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٧٨.
(٣) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٧٩.
(٤) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٨١.
(٥) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٨٣.
(٦) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٨٣.