فقد خلق الله تعالى هذا الكون وفق نظام دقيق متوازن، وجعل الحاجة الفطرية من مخلوقات الله تعالى، ومن ذلك فطرة الله تعالى للإنسان، فإن الله خلق البشر وخلق فيهم حاجتهم إلى الدين، فالإنسان بفطرته بحاجة إلى الدين. قال تعالى: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ((١))، والإنسان مفتقر إلى منهج ينظم حياته إذ إنه قاصر عن بلوغ هذه الغاية لتسلط الأهواء عليه، فإن النفس الإنسانية مائلة إلى الكسب وأخذ ما ليس لها، فلا بد للبشر في كل العصور إلى رسل الله لربط تصرفات الإنسان بخالقه وبأخيه الإنسان، ولمعرفة ثواب المطيع وعقاب العاصي، وأهداف أخرى كثيرة سنذكر منها فقط ما يخص حاجة أهل مصر إلى هدي النبوة في ضوء هذه الآيات من سورة القصص.
١-الدعوة إلى عبادة الله وحده:
لو عدنا إلى الآيات السابقة من سورة القصص: ﴿إنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أهْلَهَا شِيَعا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ ابْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ انَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ ((٢)).
فبعد هذا العرض القرآني الذي يبين فيه حاجة أهل مصر إلى هدي النبوة لإنقاذ المستضعفين وإحقاق الحق وإرجاع الناس من عبادة فرعون إلى عبادة الله تعالى الواحد الأحد. قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأَنْسَ الاَّ لِيَعْبُدُونِ﴾ ((٣))، ويتحقق معنى العبودية لله بتحقيق معنى التوحيد، أي: إخلاص العبودية لله وحده لا شريك له، والخضوع له خضوعاً تاماً، والاستسلام له في جميع شؤون الحياة.
(٢) سُوْرَة الْقَصَصِ: الآية ٤.
(٣) سُوْرَة الذَّارِيَاتِ: الآية ٥٦.