وفيه دلالة على أنه سقى لهما في شمس وحر. ونقل ابن كثير رواية عن ابن عباس: " سار موسى من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافياً، فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه، وأن بطنه لاصق بظهره من الجوع " ((١)).
﴿فَقَالَ رَبِّ﴾ " لأنه ليس في الشكوى إلى المولى العلي الغني المطلق نقص، ولما كان حاله في عظيم صبره، حالة من لا يطلب أكدّ سؤاله إعلاماَ بشديد تشوقه لما سأل، فيه زيادة في التضرع والرأفة، فقال ﴿إني﴾ وأكد الافتقار بالإلصاق باللام دون (إلى) فقال ﴿لما﴾، أي: لأي شيء، ولما كان الرزق الآتي إلى الإنسان مسبباً عن القضاء الآتي عن العلي الكبير عبر بالإنزال، وعبر بالماضي تعميماً لحالة الافتقار وتحققاً لإنجاز الوعد بالرزق " ((٢)).
وأما اسم الشجرة، فقد ذكر القرطبي أنها (سمرة) قاله ابن مسعود ((٣)).
ما يستفاد من النصّ
دلت الآيات السابقة على جملة المعاني وهي:
أولا ـ الدعاء وأثره في تفريج الكروب، فقد رأينا كيف صور القرآن الكريم حالة سيدنا موسى (- عليه السلام -)، بعد أن اخبره الذي آمن بوصول أمر القبطي
(المقتول) إلى سماع فرعون وتآمرهم على قتله، فانتابته حالة من الخوف والترقب، ودعا الله أن ينجيه من القوم الظالمين، فمرة أخرى يتعرض إلى محنة أخرى، ومرة أخرى يتحدى الله جل وعلا فرعون وجنوده من أن ينالوا ممن اصطفاه واصطنعه لنفسه.

(١) تفسير القران العظيم: ٣/ ٣٨٤.
(٢) نظم الدرر: ٥/ ٤٧٧.
(٣) السمرة: شجرة صغيرة الورق قصير الشوك لها برقة صفراء. ينظر الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: ٦/ ٤٩٨٥.


الصفحة التالية
Icon