ويجيب الرازي ـ رَحِمَه الله ـ عن سؤال مهم ربما يخطر في البال وهو: أنه تعالى لما قال: ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ ثبت أنه لم يكن شاهداً، لأن الشاهد لا بد أن يكون معه حاضراً، فما الفائدة إذاً من إعادة قوله تعالى: ﴿وَمَا كُنتَ مِنْ الشَّاهِدِينَ﴾ بقوله: " قال ابن عباس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهمَا ـ التقدير: لم تحضر الموضع، ولو حضرت فما شاهدت تلك الوقائع، فإنه يجوز أن يكون هناك ولا يشهد ويرى " ((١)).
وأرى أن ذلك قمة البلاغة في الوصف القرآني، فيزول بذلك سؤال فخر الدين الرازي، والإشكال الذي افترضه في تفسيره ﴿وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمْ الْعُمُرُ﴾ " أي: ولكنا أنشأنا من عهد موسى إلى عهدك قروناً كثيرة، فتطاول عليهم العمر إلى أن وجد القرن الذي أنت فيه، فدرست العلوم، فوجب إرسالك إليهم، فأرسلناك وعرّفناك أحوال الأنبياء وأحوال موسى، وأرسلناك بما فيه سعادة البشر " ((٢)).
ونحن نوافق ما أورده القرطبي في الذي ذهب إليه من أن ذكر رسول الله
(- ﷺ -) جاء على لسان كل الأنبياء " ظاهراً هذا يوجب أن يكون جرى لنبينا (- عليه السلام -) ذكر في ذلك الوقت وان الله سيبعثه، ولكن طالت المدة وغلبت القسوة فنسى القوم ذلك " ((٣)).

(١) مفاتيح الغيب: ١٢/ ٢٥٧.
(٢) تفسير المراغي: ٢٠/ ٦٥.
(٣) الجَامِع لأِحْكَام القُرْآن: ٦ /٥٠٠٧.


الصفحة التالية
Icon