ثُمَّ أراد الَقُرْآن الكَرِيم في هذه الآيات أن يبين أن هؤلاء الذين آمنوا من أهل الكتاب لم يزد الرسول (- ﷺ -) في جهاده معهم للإيمان على أن يتلو عليهم الَقُرْآن ووراءه من قومه من جهده ليؤمن، ومن أحب بكل نفسه أن يهديه للإسلام فلم يقدِّر الله له ذلك لأمر يعلمه من نفسه، وما كان النبي (- ﷺ -) ليهدي من يحب، إنما يهدي الله من يعلم من نفسه ما يستحق به الهدى ومن هو مستعد للإيمان ((١)). فناسبت هذه الآية مكانها في سُوْرَة الْقَصَصِ، وناسبت أيضاً ما قبلها ليكتمل المعنى بأن الهداية التوفيقية هي بيد الله وحده، العالم بمن يستحقها، والهداية البيانية هي مهمة الرسل والأنبياء والدعاة أن يقوموا بها.
أسباب النزول
أخرج مسلم، عن أبي هريرة (- رضي الله عنه -) قال: قال رَسُول الله (- ﷺ -) لعمه:
((قل لا إله إلا الله أشهد لك يوم القيامة. قال: لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الجزع لأقرت بها عينك، فأنزل الله: ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ
أَحْبَبْتَ﴾ )) ((٢)).
وأخرج النسائي بسند جيد عن أبي سعيد بن رافع قال: سألت ابن عمر عن هذه الآية: ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ أفي أبي جهل، وأبي طالب؟ قال: نعم " ((٣)).
تحليل الألفاظ
١. ﴿تَهْدِي﴾ :
(٢) صحيح مسلم: باب الدليل على صحة إسلام من حضره الموت ١/٥٥ رقم (٢٥).
(٣) السنن الكبرى (النسائي) : ٦ /٢٤٥. وينظر أسباب النزول (الواحدي) : ص ٢٤٣. لباب النقول في أسباب النزول. عَبْد الرَّحْمَن بن أَبِي بكر بن مُحَمَّد السيوطي أبو الفضل. (٨٤٩ ـ ٩١١). الطبعة الأولى. مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاؤه. مصر. ١٩٦٤ م.: ص ٥٩٨ –٥٩٩.