والألف واللاَّمُ في " النهار " للجنس.
وقيل : للعَهْدِ لذكرها في سورةِ القتالِ.
وقال الزمخشري : يجوز أن تكون عوضاً من الضَّمير كقوله :﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً﴾ [مريم : ٤] أي :" أَنْهَارُها " يعني أنَّ الأصل : واشتعل رأسي، فَعَوَّضَ " أل " عن ياء المتكلم، وهذا ليس مذهب البَصَريين، بل قال به بعضُ الكوفيِّين ؛ وهو مردود بأنَّهُ لو كانت " أَلْ " عوضاً من الضمير، لَمَا جُمِعَ بينهما، وقد جُمِعَ بينهما ؛ قال النَّابغةُ :[الطويل] ٣١٨ب - رَحِيبٌ قِطَابٌ الجَيْبِ مِنْهَا رَقِيقَةٌ
بجَسِّ النَّدَامَى بَضَّةُ المُتَجَرِّدِ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٤٥
فقال : الجيب منها، وأمَّا ما ورد، وظاهره ذلك، فيأتي تأويله في موضعه.
قوله تعالى :﴿كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ﴾ تقدَّم القولُ في " كُلَّمَا " وهذا لا يخلو إمَّا أن يكون صفة ثانيةِ لـ " جنَّاتٍ تجري "، أو خبر مبتدأ محذوف، أو جملة مستأنفة ؛ لأنَّه لَمَّا قيل :" أنَّ لهم جنَّاتٍ " لم يَخْلُ قَلْبُ السَّامِعِ أنْ يقع فيه أنَّ ثمار تلك الجنَّات تُشبهُ ثِمَارَ الدُّنْيَا أم لا ؟ والعامِلُ في " كُلَّما " هاهنا " قالوا ".
و " مِنْهَا " متعلِّقٌ بـ " رُزِقُوا "، و " مِن " لابتداء الغاية، وكذلك " من ثَمَرَةٍ "، لأنَّها بدلٌ من قوله :" منها " بدلُ اشتمالٍ بإعادة العاملِ.
٤٥٢
وإنَّما قلنا : إنه بدل اشتمال ؛ لأنَّهُ لا يتعلّق حرفان بمعنى واحدٍ بعاملٍ واحد، إلاَّ على سبيل البدلية، أو العطف.
وأجاز الزَّمخشري أنَّ " مِنْ " للبيان كقولك :" رأيتُ منك أسداً " ؛ وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ من شرط ذلك أن يَحِلَّ مَحَلَّها موصولٌ، وأن يكون ما قبلها مُحَلَّى بـ " أل " الجنسية، وأيضاً فليس قبلها شيء يَتَبَيَّنُ بها، وكونُها بياناً لما بعدها بعيدٌ جِداً، وهو غير المصطلح.
" رِزْقاً " مفعولٌ ثانٍ لـ " رُزِقُوا "، وهو بمعنى " مَرْزُوقٍ "، وكونُهُ مصدراً بعيدٌ ؛ لقوله :﴿هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهاً﴾، والمصدر لا يؤتى به متشابهاً، وإنما يؤتى بالمرزوق كذلك.
قوله :﴿قَالُواْ هَـذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ﴾.
" قالوا " : هو العاملُ في " كلما " كما تقدّم، و " هَذَا الَّذِي رزِقْنَا " مبتدأ في محل نصب بالقول، وعائِدُ الموصول محذوفٌ ؛ لاستكماله الشُّروط، أي : رُزِقْناه.
و " مِنْ قبلُ " متعلِّقٌ به.
و " مِنْ " لابتداءِ الغايةِ، ولَمَّا قطعت " قَبْلُ " بُنِيَتْ [وإنما بنيت] على الضَّمَّةِ ؛ لأنها حركة لم تكنْ لها حالَ إعرابها.
واختلف في هذه الجملةِ، فقيل : لا محلَّ لها من الإعراب ؟ لأنَّها استئنافيةٌ، فإنَّهُ قيل : لَما وصفت الجَنَّاتُ ما حالها ؟ فقيل : كُلَّمَا رُزِقُوا قالوا.
وقيل : لَهَا محلٌّ، ثُمَّ اختلف فيه، فقيل : رَفْعٌ على أنَّه خبر مبتدأ محذوف، واختلف في ذلك المبتدأ، فقيل : ضمير " الجنَّات "، أي : هي كلَّما وقيل ضمير " الَّذين آمنوا " أي : هم كُلَّما رُزِقوا قالوا.
وقيل : مَحَلُّها نَصْبٌ على الحالِ، وصاحبُها : إمَّا " الذين آمنوا "، وإمَّا " جنات "، وجاز ذلك، وإن كانت نكرة ؛ لأنها تخصصت بالصفةِ، وعلى هذين تكون حالاً مُقَدَّرة ؛ لأنَّ وقت البشارة بالجَنَّاتِ لم يكونوا مرزوقين ذلك.
وقيل : مَحَلُّهَا نَصبٌ على أنَّها صفة لـ " جنات " أيضاً.
فَصْلٌ في المشبه به في الآية الآية تَدُلُّ على أنَّهُمْ شَبَّهُوا رزقهم الذي يأتيهم في الجنَّة بِرِزْقهم قبل ذلك، فالمُشَبَّهُ بِهِ أهو من أرزاق الدنيا، أم من أرزاق الآخرة ؟ ففيه وجهان :
٤٥٣


الصفحة التالية
Icon