تكرير هذه الكلمة ؛ فإن أشرف كلمة يذكرها الإنسان، هي هذه الكلمة، فإذا كان في أكثر أوقاتِه مشتغلاً بذكرِها، كان مشتَغِلاً بأعظم أنواع العبادات ".
قوله :﴿الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ فيه ثلاثة أوجهٍ : أحدها : أنه بدل من " هُوَ ".
الثاني : أنه خبر مبتدأ مُضْمَر.
الثالث : أنه نعت لِ " هُوَ "، وهذا إنما يتمشَّى على مذهب الكسائي ؛ فإن يرى وَصْفَ الضمير الغائبِ.
فصل ذِكْرُ هاتين الصفتين إشارةٌ إلى كمال العلم ؛ لأن الإلهية لا تحصل إلا معهما ؛ لأن كونه قائماً بالقسط لا يتم إلا إذا كان عالماً بمقادير الحاجات، وكان قادراً على تحصيل المهمات، وقد قدَّم " الْعَزِيزُ " على " الْحَكِيمُ " ؛ لأن العلم بكونه - تعالى - قادراً متقدم على العلم بكونه عالماً في طريق المعرفة الاستدلالية، فلما كان هذا الخطاب مع المستدلين - لا جرم - قدَّم ذكر " الْعَزِيزُ " على " الْحَكِيمُ ".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٩١
قرأ الكسائي بفتح الهمزة، والباقون بكسرها، فأما قراءة الجماعةِ فعلى الاستئناف، وهي مؤكِّدة للجملة الأولى.
قال الزمخشريُّ :" فإن قلتَ : ما فائدة هذا التوكيد ؟ قلت : فائدته أن قوله :﴿لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ توحيد، وقوله :" قائِماً بِالقِسْط " تعديلٌ، فإذا أردفه بقوله :﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ﴾ فقد آذَن أن الإسلام هو العدل والتوحيد، وهو الدين عند الله، وما عداه فليس في شيء من الدين عنده ".
وأما قراءة الكسائي ففيها أوجه : أحدها : أنها بدل من ﴿أَنَّهُ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ - على قراءة الجمهورِ - في أن ﴿لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ فيها وجهان : أحدهما : أنه من بدل الشيء من الشيء، وذلك أن الدين - الذي هو الإسلام - يتضمن العدلَ، والتوحيد، وهو هو في المعنى.
١٠١
والثاني : أنه بدل اشتمال ؛ لأن الإسلام يشتمل على التوحيدِ والعدلِ.
والثاني من الأوْجُهِ السابقةِ : أن يكون " إنَّ الدِّينَ " بدلاً من قوله " بِالْقِسْطِ " ثم لك اعتباران : أحدهما : أن تجعله بدلاً من لفظه، فيكون محل " إنَّ الدِّينَ " الجر.
والثاني : أن تجعلَه بدلاً من موضعه، فيكون محلها نصباً، وهذا - الثاني - لا حاجة إليه - وإن كان أبو البقاء ذَكَرَه.
وإنما صحَّ البدلُ في المعنى ؛ لأن الدين - الذي هو الإسلامُ - قِسْط وعَدْل، فيكون - أيضاً - من بدل الشيء من الشيء - وهما لعينٍ واحدة -.
ويجوز أن يكون بدل اشتمال ؛ لأن الدين مشتمل على القسط - وهو العدل - وهذه التخاريج لأبي علي الفارسي، وتبعه الزمخشريُّ في بعضها.
قال أبو حيّان :" وهو _ أبو علي - معتزليّ، فلذلك يشتمل كلامُه على لفظ المعتزلة من التوحيد والعدل، وعلى البدل من أنه خرجه هو وغيره، وليس بجيد ؛ لأنه يؤدي إلى تركيب بعيد أن يأتي في كلام العرب وهو : عَرَفَ زَيْدٌ أنَّهُ لاَ شُجَاعَ إلاَّ هُوَ وَبَنُو تَمِيمٍ وَبَنُ دَارِمٍ مُلاَقِياً لِلْحُرُوبِ، لاَ شُجَاعَ إلاَّ هُوَ الْبَطَلُ الْحَامِي، إنَّ الخصلةَ الحميدةَ هي البسالةُ، وتقريب هذا المثال : ضرب زيدٌ عائشة، والعُمرانِ حَنِقاً أختك، فحَنقاً، حال من " زيد " و " أختك " بدل من " عائشة " ففصل بين البدل والمبدل منه بالعطف - وهذا لا يجوز - والحال لغير المبدل منه - وهو لا يجوز - ؛ لأنه فصل بأجنبي بين البدل والمبدل منه ".
قوله عرف زيد هو نظير " شَهِدَ اللهُ "، وقوله : أنه لا شجاع إلا هو نظير ﴿أَنَّهُ لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ وقوله : وبنو دارم نظير قوله :" وَالْمَلاَئِكَةُ " وقوله : ملاقياً للحروب نظير قوله :" قَائِماً بِالْقِسْطِ " وقوله : لا شجاع إلا هو نظير قوله :﴿لاَ إِلَـاهَ إِلاَّ هُوَ﴾ فجاء به مكرَّراً - كما في الآية - وقوله : البطل الحامي نظير قوله " الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " وقوله : إن الخصلةَ الحميدةَ هي البسالةُ نظير قوله :﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ﴾.
قال شهابُ الدين :" ولا يظهر لي منعُ ذلك ولا عدمُ صحةِ تركيبهِ، حتى يقول : ليس بجيِّد، وبعيد أن يأتي عن العرب مثلُه، وما ادَّعاه بقوله - في المثال الثاني - : إن فيه الفصل بأجنبيٍّ فيه نظر ؛ إذْ هذه الجمل صارت كلُّها كالجملةِ الواحدةِ ؛ لما اشتملت عليه من تقويةِ كلمات بعضها ببعض، وأبو علي وأبو القاسم وغيرُهما لم يكونوا في محل مَنْ يَجْهَل صحةَ تركيبِ بعضِ الكلام وفساده ".
ثم قال أبو حيّان :" قال الزمخشريُّ : وقُرِئَتَا مفتوحتَيْن على أن الثاني بدل من الأول، كأنه قيل : شهد الله أن الدين عند الله الإسلام، والمبدَل هو المبدَل منه في
١٠٢