النار ؛ لأنه مستحق للعقاب - بتلك الكبيرة - ومستحق ثواب الإيمانِ، فلا بُدَّ وأن يُوَفَّى ذلك الثوابَ ؛ لقوله تعالى :﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ فإما أن يُثاب في الجنة ثم يُنقَل إلى النار، وذلك باطل بالإجماع.
وإما أن يُعاقَبَ في النار، ثم يُنْقَل إلى دار الثواب أبَداً مُخَلَّداً، وهو المطلوب.
وقد تقدم إبطال تمسك المعتزلة بالعمومات.
فإن قيل : لِمَ لا يجوز أن يُقال : إن ثوابَ إيمانهم يُحْبَط بعقاب معصيتهم ؟ فالجوابُ : أن هذا باطل لما تقدم في البقرة من أن القول بالمحابطة محال ؛ وأيضاً فإنا نعلم - بالضرورة - أن ثوابَ توحيدِ [سبعين] سنةً أزيد من عقاب شُرْبِ جَرْعَةٍ من الخمر والمنازع فيه مُكابِر، وبتقدير القول بصحة المحابطة يمتنع سقوط ثوابِ كل الإيمانِ بعقاب شُربِ جَرعَةٍ من الخمر.
وكان يحيى بن معاذ - رحمه الله - يقول : ثواب إيمان لحظة يُسْقِط كُفْرَ ستين سنةً، فثواب إيمان ستين سنةً كيف يُعْقَل أن لا يُحْبِطَ عِقَابَ ذَنْبِ لَحْظَة ؟
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١١٨
لمَّا بيَّن دلائلَ التوحيدِ والنبوَّةِ، وصحة دينِ الإسلام، وذكر صفاتِ المخالفين، وشدةَ عنادِهم وغُرُورِهم، ثم ذكر وعيدَهم بجمعهم يوم القيامة، أمر رسوله - عليه السلام - بدعاءٍ وتمجيدٍ يخالف طريقةَ هؤلاءِ المعاندين.
قوله :" اللَّهُمَّ " اختلف البصريون والكوفيون في هذه اللفظةِ.
قال البصريون : الأصل : يا الله، فحُذِفَ حَرْفُ النداءِ، وعُوِّضَ عنه هذه الميمُ المشددة، وهذا خاصٌّ بهذا الاسم الشريف، فلا يجوز تعويضُ الميم من حرف النداء في غيره، واستدلوا على أنها عِوَضٌ من " يا " بأنهم لم يجمعوا بينهما إلا في ضرورة الشعر، كقوله :[الرجز] ١٣٧٨ - وَمَا عَلَيْكِ أنْ تَقُولِي كُلَّمَا
سَبَّحْتِ أوْ هَلَّلْتِ يَا اللَّهُمَّ مَا
أُرْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخَنَا مُسَلَّمَا
فَإنَّنَا مِنْ خَيْرِهِ لَنْ نُعْدَمَا
١٢٢
وقَوْلِ الآخر :[الرجز] ١٣٧٩ - إنِّي إذَا مَا حَدَث ألَمَّا
أقُولُ : يَا اللَّهُمَّ، يَا اللَّهُمَّا
وقال الكوفيون : الميم المشددة بَقِيَّةُ فِعْل محذوفٍ، تقديره : أمَّنَا بخير، أي : اقْصِدنا به، من قولك : أمَمْتُ زيداً، أي : قصدته، ومنه :﴿وَلا اا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ﴾ [المائدة : ٢] أي : قاصديه، وعلى هذا فالجمع بين " يا " والميم ليس بضرورةٍ عندهم، وليست عوضاً منها.
وقد رَدَّ عليهمُ البصريون هذا بأنه قد سُمِعَ : اللهمَّ أمَّنا بخير، وقال تعالى :﴿اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً﴾ [الأنفالِ : ٣٢] فقد صرَّح بالمدعُوِّ به، فلو كانت الميمُ بقيةَ " أمَّنَا " لفسد المعنى، فبان بُطْلانهُ.
وهذا من الأسماء التي لزمت النداءَ، فلا يجوز أن يقع في غيره، وقد وقع في ضرورة الشعر كونه فاعلاً، أنشد الفرّاء :[مخلّع البسيط] ١٣٨٠ - كَحَلْقَةٍ مِنْ أبِي دِثَارٍ
يَسْمضعُهَا اللَّهُمَ الْكُبَارُ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٢٢
استعمله - هاهنا - فاعلاً بقوله : يسمعها.
ولا يجوز تخفيفُ الميم، وجوَّزه الفراء، وأنشد البيت : بتخفيف الميم ؛ إذ لا يمكن استقامةُ الوزن إلا بذلك.
قال بعضهم : هذا خطأ فاحشٌ، وذلك لأن الميم بقية " أمَّنَا " - على رأي الفراء - فكيف يجوزه الفراء ؟ وأجاب عن البيت بأن الرواية ليست كذلك، بل الرواية :[مخلّع البسيط] ١٣٨١ -..................................
يَسْمَعُهَا لاَهُهُ الْكُبَارُ
قال شهابُ الدينِ :" وهذا لا يعارِض الرواية الأخرى ؛ فإنه كما صحّت هذه صحت تلك ".
ورد الزّجّاج مذهب الفراء بأنه لو كان الأصل : يا الله آمَّنا للفْظِ به مُنَبِّهاً على الأصل، كما قالوا - في وَيلمِّهِ - : وَيْلٌ لأمِّهِ.
وردوا مذهب الفراءِ - أيضاً - بأنه يلزم منه جواز أن تقول : يا اللهم، ولما لم يَجُزْ
١٢٣


الصفحة التالية
Icon