العامة على قراءة " لا يَتَّخِذْ " نَهْياً، وقرأ الضَّبِّيُّ " لا يَتَّخِذُ " برفع الذال - نفياً - بمعنى لا ينبغي، أو هو خبر بمعنى النهي نحو ﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ﴾ [البقرة : ٢٣٣] و ﴿وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ﴾ [البقرة : ٢٨٢] - فيمن رفع الراء.
قال أبو البقاء وغيره :" وأجاز الكسائيُّ فيه [رفع الراء] على الخبر، والمعنى : لا ينبغي ".
وهذا موافق لما قاله الفرَّاء، فإنه قال :" ولو رَفَع على الخبر - كقراءة مَنْ قرأ :﴿لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ﴾ جاز ".
قال أبو إسحاق : ويكون المعنى - على الرفع - أنه مَنْ كان مؤمناً، فلا ينبغي أن يتخذ الكافرَ ولياً ؛ [لأن ولي الكافر راضٍ بكُفْره، فهو كافر].
كأنهما لم يَطَّلِعَا على قراءة الضبي، أو لم تثبت عندهما.
و " يتخذ " يجوز أن يكون متعدياً لواحد، فيكون " أوْلِيَاءَ " حالاً، وأن يكون متعدياً لاثنين، وأولياء هو الثاني.
قوله :﴿مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ فيه وجهان : أظهرهما : أن " مِن " لابتداء الغايةِ، وهي متعلقة بفعل الاتخاذ.
قال علي بن عيسى :" أي : لا تجعلوا ابتداءَ الولايةِ من مكانٍ دون مكان المؤمنين ".
وقد تقدم تحقيقُ هذا، عند قوله تعالى :﴿وَادْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ﴾ في البقرة [الآية ٢٣].
والثاني - أجاز أبو البقاء - أن يكون في موضع نصب، صفة لِ " أوْلِيَاءَ " فعلى هذا يتعلق بمحذوف.
قوله :﴿وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ﴾ أدغم الكسائيُّ اللام في الذال هنا، وفي مواضع أخَر تقدم التنبيه عليها في البقرة.
قوله :﴿مِنَ اللَّهِ﴾ الظاهر أنه في محل نصب على الحال من " شَيءٍ " ؛ لأنه لو تأخر لكان صفةً له.
١٣٧
" فِي شَيءٍ " هو خبر " لَيْسَ " ؛ لأن به تستقل فائدةُ الإسنادِ، والتقدير : فليس في شيء كائن من الله، ولا بد من حذف مضافٍ، أي : فليس من ولاية الله.
وقيل : من دين الله، ونظَّر بعضُهم الآيةَ الكريمةَ ببيت النابغةِ :[الوافر] ١٣٩٢ - إذَا حَاوَلْتَ مِنْ أسَدٍ فُجُوراً
فَإنِّي لَسْتُ مِنْكَ وَلَسْتَ مِني
قال ابو حيّان :" والتنظير ليس بجيِّدٍ ؛ لأن " منك " و " مني " خبر " لَيْسَ " وتستقل به الفائدةُ، وفي الآية الخبر قوله :" فِي شَيءٍ " فليس البيتُ كالآيةِ ".
وقد نحا ابن عطية هذا المنحى المذكورَ عن بعضهم، فقال : فليس من الله في شيء مَرْضِيِّ على الكمالِ والصوابِ، وهذا كما قال النبي ﷺ " مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " وفي الكلامِ حذفُ مضافٍ، تقديره : فليس من التقرب إلى الله و الثواب، وقوله :" فِي شَيءٍ " هو في موضع نصبٍ على الحالِ من الضمير الذي في قوله :﴿فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ﴾.
قال أبو حيّان :" وهو كلام مضطرب ؛ لأن تقديره :" فليس من التقرُّب إلى الله " يقتضي أن لا يكون " مِنَ اللهِ " خبراً لِ " لَيْسَ " ؛ إذْ لا يستقل، وقوله :" فِي شَيءٍ " هو في موضع نصبٍ على الحال يقتضي أن لا يكون خبراً، فيبقى " ليس " - على قوله - ليس لها خبر، وذلك لا يجوز، وتشبيهه الآية الكريمة بقوله ﷺ :" من غشنا فليس منا " ليس بجيِّد ؛ لما بينَّا من الفرق بين بيت النابغة، وبين الآية الكريمةِ ".
قال شهاب الدين :" وقد يجاب عن قوله : إن " مِنَ اللهِ " لا يكون خبراً ؛ لعدم الاستقلال بأن في الكلام حذفَ مضافٍ، تقديره : فليس من أولياء اللهِ " لا يكون خبراً ؛ لعدم الاستقلال بأن في الكلام حذفَ مضافٍ، تقديره : فليس من أولياء اللهِ ؛ لأن اتخاذَ الكفار أولياء ينافي ولاية الله - تعالى -، وكذا قول ابن عطية : فليس من التقرُّب، أي : من أهل التقرب، وحينئذٍ يكون التنظير بين الآية، والحديث، وبيت النابغة مستقيماً بالنسبة إلى ما
١٣٩


الصفحة التالية
Icon