ومن الجزم قوله تعالى ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ﴾ [هود : ١٥]، وقوله :﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ﴾ [الشورى : ٢٠]، وقوله :﴿وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [الشورى : ٢٠] فدل ذلك على أن المانع من شرطيتها ليس هو رَفْعَ تَودُّ ".
وأجاب ابو حيّان بأنها ليست شرطية - لا لما ذكر الزمخشريُّ وابن عطيّة - بل لعلَّةٍ أخرى، قال : كنت سُئِلت عن قول الزمخشريِّ : فذكره ثم قال : ولنذكر هاهنا ما تمس إليه الحاجة بعد أن تقدم ما ينبغي تقديمه، فنقول : إذا كان فعل الشرط ماضياً، وبعده مضارع تتم به جملة الشرط والجزاء جاز في ذلك المضارع، الجَزْمُ، وجاز فيه الرفعُ، مثال ذلك : إن قام زيد يَقُمْ - ويقوم عمرو، فأما الجزم فعلى جواب الشرط ولا نعلم في جواز ذلك خلافاً، وأنه فصيح، إلا ما ذكره صاحب كتاب " الإعراب " عن بعض النحويين أنه لا يجيء في الكلام الفصيح، وإنما يجيء مع " كان " كقوله تعالى :﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ﴾ [هود : ١٥]، لأنها أصل الأفعال، ولا يجوز ذلك مع غيرها، وظاهر كلام سيبويه، وكلام الجماعة، أنه لا يختص ذلك بـ " كان " بل سائر الأفعال في ذلك مثل " كان ".
وأنشد سيبويه للفرزدق :[البسيط] ١٤٠٢ - دَسَّتْ رَسُولاً بِأنَّ الْقَوْمَ إنْ قَدَرُوا
عَلَيْكَ يَشْفُوا صُدُوراً ذَاتَ تَوغِيرِ
وقال أيضاً :[الطويل] ١٤٠٣ - تَعَالَ فَإنْ عَاهَدتنِي لا تَخُونُنِي
نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئْبُ يَصْطَجِبَانِ
وأما الرفع فإنه مسموع من لسان العرب كثيراً.
قال بعض أصحابنا : هو أحسن من الجزم، ومنه بيت زهير السابق.
ومثله - أيضاً - قوله :[الطويل] ١٤٠٤ - وَإنْ شُلَّ رَيْعَانُ الْجَمِيع مَخَافَةً
نَقُولُ - جِهَاراً - وَيْلَكُمْ لا تُنَفِّرُوا
وقال أبو صخر :[الطويل]
١٥٠
١٤٠٥ - وَلاَ بِالَّذِي إنْ بَانَ عَنْهُ حَبِيبُهُ
يَقُول - وَيُخْفِي - الصَّبْرَ - إنِّي لَجَازعُ
وقال الآخر :[الطويل] ١٤٠٦ - وَإنْ بَعُدُوا لا يَأمَنُونَ اقْتِرَابَهُ
تَشَوُّفَ أهْلِ الْغَائِبِ الْمُتَنَظَّرِ
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٧
وقال الآخر :[الطويل] ١٤٠٧ - فَإنْ كَانَ لا يُرْضِيكَ حَتَّى تَرُدَّنِي
إلَى قَطَرِيٍّ لا إخَالُكَ رَاضِيا
وقال الآخر :[البسيط] ١٤٠٨ - إنْ يُسْألُوا الْخَيْرَ يُعْطُوهُ وَإنْ خُبِرُوا
فِي الجَهْدِ أدْرَكَ مِنْهُمْ طيبُ أخْبَارِ
قال شهاب الدين :" هكذا ساق هذا البيتَ في جملة الأبيات الدالة على رفع المضارع، ويدل على ذلك أنه قال - بعد إنشاده هذه الأبيات كلَّها - : فهذا الرفع - كما رأيت - كثير ".
وهذا البيتُ ليس من ذلك ؛ لأن المضارع فيه مجزوم - وهو يُعْطُوه - وعلامة جزمهِ سقوط النون فكان ينبغي أن ينشده حين أنشد : دَسَّتْ رَسُولاً، وقوله :" تعال فإن عاهدتني ".
وقال : فهذا الرفع كثير - كما رأيت - ونصوص الأئمة على جوازه في الكلام - وإن اختلفت تأويلاتُهم كما سنذكره - وقال صاحبنا أبو جعفر أحمد بن عبد النور بن رشيد المالقي - وهو مصنف كتاب رصف المباني - رحمه الله - : لا أعلم منه شيئاً جاء في الكلام، وإذا جاء فقياسه الجزم ؛ لأنه أصل العمل في المضارع - تقدم الماضي أو تأخَّر - وتأوَّل هذا المسموعَ على إضْمَار الفاء، وجملة مثل قول الشاعر :[الرجز] ١٤٠٩ -...........................
إنَّكَ إنْ يُصْرَعْ أخُوكَ تُصْرَعُ
١٥٢