قالوا : ومن يَأبَى ؟ قال :" مَنْ أطَاعَني دَخَلَ الْجَنَّةَ، ومَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى ".
قال جابر بن عبد الله :" جاء الملائكة إلى النبيِّ ﷺ - وهو نائم - فقال بعضهم : إنه نائم، وقال بعضهم : إن العين نائمة، والقلب يقظان، فقالوا : إن لصاحبكم هذا مَثَلاً، فاضربوا له مَثَلاً، فقالوا : مثله كمثل رجل بنى داراً، وجعل فيها مأدُبَةً، وبعث داعياً، فمن أجاب الداعي دَخل الدارَ، وأكل من المأدبةِ، ومن لم يجب الداعيَ لم يدخل الدارَ، ولم يأكُلْ من المأدُبَةِ، فقالوا : أوِّلُوها له بفقهها، فقال بعضهم : إنه نائم، وقال بعضهم : إن العينَ نائمة والقلب يقظانُ، قالوا : فالدار الجنة، والداعي محمد ﷺ من أطاع محمداً فقد أطاع الله، ومن عَصَى محمداً فقد عصى الله، ومحمد ﷺ فَرَقَ بين الناس ".
روى الترمذي عن النبي ﷺ أنه قال :" من أراد أن يحبه اللهُ عليه بصدقِ الحديثِ، وأداء الأمانة وأن لا يؤذِي جاره " وروى مسلم - عن أبي هريرة - قال : قال رسول الله ﷺ " إنَّ الله إذا أحبَّ عبداً دعا جبريلَ فقال : إنِّي أحِبُّ فلاناً، فأحبه، قال : فيحبه جبريلُ، ثم ينادي في السماء، فيقول : إن الله يُحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهلُ السّماءِ، قال : ثم يُوضَع له القبولُ في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريلَ فيقول : إني أبْغِضُ فلاناً فأبْغِضْهُ، قال : فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلاناً فأبْغِضُوه، قال فيبغضونه، ثم تُوضَع له البَغْضَاءُ في الأرض ".
وقال :﴿فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ ولم يَقُلْ : فإنه لا يحب ؛ لأن العرب إذا عظَّمت الشيءَ أعادت ذِكْرهَ، أنشد سيبويه [قول الشاعر] :[الخفيف] ١٤١١ - لا أرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ
نَغَّصَ الْمَوْتُ ذَا الْغِنَى وَالْفَقِيرا
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٦
ويحتمل أن يكون لأجل أنه تقدم ذِكْرُ الله والرسول، فذكره للتمييز ؛ لَئِلاّ يعودَ الضمير على الأقْرَبِ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٦
لما بين - تعالى - أن محبته لا تتم إلا بمتابعة الرسول بين علو درجات الرُّسُل
١٥٩
فقال :" إنَّ اللهَ اصطفى آدم ونوحاً " " نوح " اسم أعجمي، لا اشتقاق له عند محققي النحويين، وزعم بعضهم أنه مشتق من النُّواح.
وهذا كما تقدم لهم في آدم وإسحاق ويعقوب، وهو منصرف وإن كان فيه عِلَّتان فَرعيَّتان : العلمية والعجمة الشخصية - لخفّة بنائه ؛ لكونه ثلاثياً ساكن الوسط، وقد جوَّز بعضهم منعَه ؛ قياساً على " هند " وبابها لا سماعاً ؛ إذْ لم يُسمَع إلا مصروفاً وادعى الفرّاء أن في الكلام حذفَ مضاف، تقديره : إن الله اصطَفى دينَ آدمَ.
قال التبريزي :" وهذا ليس بشيءٍ ؛ لأنه لو كان الأمر على ذلك لقيل : ونوحٍ - بالجر - إذ الأصل دين آدم ودين نوح ".
وهذه سقطة من التبريزيُّ ؛ إذْ لا يلزم أنه إذا حُذِفَ المضاف، بقي المضاف إليه [على جره] - حتى يرد على الفراء بذلك، بل المشهور - الذي لا يعرف الفصحاء غيره - إعراب المضاف إليه بإعراب المضاف حين حذفه، ولا يجوز بقاؤه على جرِّه إلا في قليل من الكلام، بشَرْطٍ مذكورٍ في النحو يأتي في الأنفال إن شاء الله تعالى.
وكان ينبغي - على رأي التبريزيّ : أن يكون قوله تعالى :﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ [يوسف : ٨٢] بجر " القرية " ؛ لأن الكُلَّ هو وغيره - يقولون : هذا على حَذْف مضاف، تقديره : أهل القرية.
قال القرطبيُّ :" وهو - نوح - شيخُ المرسلين، وأول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض - بعد آدم - عليه الصلاة والسلام - بتحريم البنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وسائر القرابات المحرمة، ومن قال - من المؤرخين - إن إدريس كان قبلَه فقد وهم " على ما يأتي بيانه في الأعراف - إن شاء الله تعالى.
وعمران اسم أعجميٌّ.
وقيل : عربيّ، مشتق من العَمْر، وعلى كلا القولين فهو ممنوع من الصرف ؛ للعلمية، و العُجْمة الشخصية، وإما للعلمية، وزيادة الألِف والنون.
قوله :﴿عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ متعلق بـ " اصْطَفَى ".
قوله :" اصْطَفَى " يتعدى بـ " مِنْ " نحو اصطفيتك مِن الناس.
فالجواب : أنه ضُمِّنَ معنى " فَضَّل "، أي : فضَّلَهُم بالاصطفاء.
فصل اعلم أن المخلوقات على قسمين : مكلَّف، وغير مكلَّف، واتفقوا على أن المكلَّف أفضل.
وأصناف المكلفين أربعة : الملائكة، والإنس، والجن، والشياطين.
١٦٠