﴿الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ﴾ [التوبة : ٦٧]، أي : بسبب اشتراكهم في النفاق.
قوله :﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ قال القفَّال : والله سميع لأقوال العباد، عليم بضمائرهم، وأفعالهم، يصطفي من يعلم استقامته قولاً وفعلاً، ونظيره قوله :﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ [الأنعام : ١٢٤].
وقيل : إن اليهود كانوا يقولون : نحن من ولد إبراهيم، وآل عمران، فنحن أبناء الله، والنصارى كانوا يقولون المسيح ابن الله، وكان بعضهم عالماً بأن هذا الكلامَ باطل، إلا أنه بقي مصراً عليه، ليُطَيِّب قلوبَ العوامِّ، فكأنه - تعالى - يقول : والله ﴿سَمِيعٌ﴾ لهذه الأقوالِ الباطلةِ منكم، " عليم " بأغراضكم الفاسدةِ من هذه الأقولال، فيجازيكم عليها، فكان أول الآية بياناً لشرف الأنبياءِ والرسل وتهديداً لهؤلاء الكاذبين الذين يزعمون أنهم مستقرون على أديانهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٩
في الناصب لِـ " إذْ " أوجه : أحدها : أنه " اذكر " مقدَّراً، فيكون مفعولاً به لا ظرفاً، أي : اذكر لهم وقت قول امرأة عمران كيت وكيت وإليه ذهب ابو الحسن وأبو العباس.
الثاني : أن الناصب له معنى الاصطفاء، أي :" اصْطَفَى " مقدَّراً مدلولاً عليه بـ " اصْطَفَى " الأوَّل والتقدير : واصطفى آل عمران - إذ قالت امرأة عمران.
وعلى هذا يكون قوله :﴿وَآلَ عِمْرَانَ﴾ [آل عمران : ٣٣] من باب عطف الجمل لا من باب عطف المفردات ؛ إذ لو جُعِل من عطف المفردات لزم أن يكون وقتُ اصطفاءِ آدمَ وقول امرأةِ عمران كيت وكيت، وليس كذلك ؛ لتغاير الزمانَيْن، فلذلك اضطررنا إلى تقدير عامل غير هذا الملفوظِ به، وإلى هذا ذَهَبَ الزَّجَّاجُ وغيره.
الثالث : أنه منصوب بـ " سميع " وبه صرح ابن جرير الطبري، وإليه نحا الزمخشري ؛ فإنه قال : سميع عليم لقول امرأة عمران ونِيَّتها، و " إذْ " منصوب به.
قال أبو حيّان : ولا يَصِحُّ ذَلِكَ ؛ لأن قوله :﴿عَلِيمٌ﴾ إمّا أن يكون خبراً بعد خبر، أو وصفاً لقوله :" سميع " فإن كان خبراً فلا يجوز الفصل به بين العامل والمعمول ؛ لأنه أجنبيٌّ عنهما، وإن كان وَصْفاً فلا يجوز أن يَعْمَل ﴿سَمِيعٌ﴾ في الظرف ؛ لأنه قَدْ وُصِفَ،
١٦٧
واسم الفاعل وما جرى مجراه إذا وُصِفَ قَبْلَ معموله لا يجوز له - إذ ذاك - أن يعمل، على خلاف لبعض الكوفيين في ذلك ؛ لأن اتصافه تعالى بـ ﴿سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ لا يتقيد بذلك الوقت.
قال شهابُ الدين :" وهذا القدر غيرُ مانع ؛ لأنه يُتَّسَع في الظرف وعديله ما لا يُتَّسَع في غيره، ولذلك تقدم على ما في خبر " أل " الموصولة وما في خبر " أن " المصدرية ".
وأما كونه - تعالى - سميعاً عليماً لا يتقيد بذلك الوقت، فإن سَمْعَه لذلك الكلام مقيَّد بوجود ذلك الكلام، وعلمه - تعالى - بأنها تذكر مقيَّد بذكرها لذلك، والتغيُّر في السمع والعلم، إنما هو في النسبِ والتعلُّقات.
الرابع : أن تكون " إذْ " زائدةً، وهو قول أبي عُبَيْدَةَ، والتقدير : قالت امرأة عمرانَ، وهذا غلط من النحويين، قال الزّجّاج لم يصنع أبو عبيدة في هذا شيئاً ؛ لأن إلغاء حرفٍ من كتاب الله تعالى - من غير ضرورةٍ لا يجوز، وكان أبو عبيدة يُضَعَّفُ في النحو.
الخامس : قال الأخفش والمُبَرِّد : التقدير :" ألم تر إذْ قالت امرأة عمران، ومثله في كتاب الله كثير ".
فصل امرأة عمران هي حَنَّة بنت فاقوذا أم مريم، وهي حنة - بالحاء المهملة والنون - وجدة عيسى - عليه السلام - وليس باسم عربي.
قال القرطبيُّ :" ولا يُعْرَف في العربية " حنة " : اسم امرأة - وفي العرب أبو حنة البدريّ، ويقال فيه أبو حبة - بالباء الموحَّدة - وهو أصح، واسمه عامر، ودير حنة بالشام، ودير آخر أيضاً يقال له كذلك.
قال أبو نواس : ١٤١٤ - يَا ديرَ حَنَّةَ مِنْ ذَاتِ الأكَيْرَاحِ
مَنْ يَصْحُ عَنْكِ فَإنِّي لَسْتُ بِالصَّاحِي
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٧
وفي العرب كثير، منهم أبو حبة الأنصاريّ وأبو السنابل بن بعْكك - المذكور في حديث سبيعة الأسلمية، ولا يعرف " خَنَّة " - بالخاء المعجمة - إلا بنت يحيى بن أكثم، وهي أم محمد بن نصر، ولا يُعْرَف " جَنَّة " - بالجيم - إلاَّ أبو جنة وهو خال ذي الرمة الشاعر، نقل هذا كله ابنُ ماكولا ".
وعمران بن ماثان، وليس بعمران أبي موسى، وبينهما ألف وثمانمائة سنة، وكان بنو ماثان رؤوس بني إسرائيل وأحبارهم وملوكهم.
وقيل : عمران بن أشهم، وكان زكريا قد تزوَّج إيشاع بنت فاقوذ، وهي أخت حنة
١٦٨