وقال أبو البَقَاءِ : وقيل :" ما " نَكِرَةٌ موصوفةٌ، ولم يجعل بعوضة صفتها، بل جعلها بدلاً منها، وفيه نظرٌ ؛ إذ يحتاج أن يُقدِّر صفةً محذوفة ولا ضرورة لذلك، فكان الأولى أن يجعل بعوضةً صفتها بمعنى أنَّهُ وصفها بالجنس المُنكَّرِ لإبهامِه، فهي في معنى " قليل "، وإليه ذهب الفرّاء والزَّجَّاجُ وثَعْلَبٌ، وتكون " ما " وصفتها حينئذٍ بدلاً من " مَثَلاً " و " بعوضة " بدلاً من " ما "، أو عطف بيان لها، إن قيل :" ما " صفة لـ " مثلاً "، أو نعتٌ لـ " ما " إن قيل : إنَّها بدلٌ من " مثلاً " كما تقدَّم في قول الفَرَّاء، وبدلٌ من " مثلاً " أو نعتٌ لـ " ما " إن قيل : إنَّها بدلٌ من " مثلاً " كما تقدَّم في قول الفَرَّاء، وبدلٌ من " مثلاً " أو عطف بيان له إن قيل : إن " ما " زائدة.
وقيل :" بعوضة " هو المفعول، و " مثلاً " نُصِبَ على الحالِ قُدِّمَ على النكرةِ.
وقيل : نُصِبَ على إسقاط الخافض، التقدير : ما بين بعوضةٍ، فلمَّا حُذِفَتْ " بين " أعربت " بعوضة " بإعرابها، وتكون الفاء في قوله :" فما فوقها " بمعنى إلى، أي : إلى ما فوقها، ويعزى هذا للكسائي والفرّاء وغيرهم من الكوفيين ؛ وأنشدوا :[البسيط] ٣٢٦ - يَا أَحْسَنَ النَّاسِ مَا قَرْناً إلَى قَدَمٍ
وَلاَ حِبَالَ مُحِبٍّ وَاصِلٍ تَصِلُ
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٩
أي : ما بين قَرْنٍ.
وَحَكَوْا :" له عشرون ما ناقةً فَجَمَلاً "، وعلى القول الثَّاني يكونُ " مثلاً " مفعول أوَّلَ، و " ما " تحتمل الوجهين المتقدمين، و " بعوضةً " مفعولٌ ثانٍ.
وقيل : بعوضةً هي المفعولُ الأولُ، و " مَثَلاً " هو الثَّاني، ولَكِنَّهٌُ قُدِّم.
وتلخَّص مما تقدَّم أنَّ في " ما " ثلاثة أوجه : زائدة، صفة لما قبلَها، نكِرةٌ موصوفةٌ، وأنَّ في " مثلاً " ثلاثة أيضاً :
٤٦٣
مفعول أوّل، أو مفعول ثان، أو حالٌ مقدّمة، وأنَّ في " بعوضة " تسعة أوجه، والصوابُ من ذلك كُلُّه أن يكون " ضَرَبَ " متعدِّياً لواحدٍ بمعنى بَيَّنَ، و " مثلاً " مفعولٌ به، بدليل قوله :" ضُرِبَ مَثَلٌ "، و " ما " صفةٌ للنَّكِرة، و " بعوضةً " بدلٌ لا عطف بيان، لأن عطف البيان ممنوع عند جمهور البصريين في النكرات.
وقرأ إبراهيم بن أبي عَبْلَةَ والضَّحَّاكُ ورؤبة بن العجاج برفع " بعوضةٌ " واتفقوا على أنَّها خبرٌ لمبتدأ، ولكنهم اختلفوا في ذلك المبتدأ، فقيل : هو " ما " على أنَّها استفهاميةٌ أيك أيُّ شيء بعوضةٌ، وإليه ذهب الزمخشري ورَجَّحَهُ.
وقيل : المبتدأ مضمرٌ تقديرُه " : هو بعوضةٌ، وفي ذلك وجهان : أحدهما : أن تُجْعَلَ هذه الجملة صلة لـ " ما " لكونها بمعنى الذي، ولكنَّه حذف العائد، وإن لم تَطُل الصِّلةُ، وهذا لا يجوز عند البصريين إلاَّ في " أيّ " خاصّة لطولها بالإضافة، وأمَّا غيرُها فشاذٌّ، أو ضرورة كقراءة :﴿تَمَاماً عَلَى الَّذِى أَحْسَنَ﴾ [الأنعام : ١٥٤] وقوله :[البسيط] ٣٢٧ - مَنْ يُعَنْ يِالحَقِّ لاَ يَنْطِقْ بِمَا سَفَهٌ
وَلاَ يَحِدْ عَنْ سَبِيلِ الحَمْدِ وَالكَرَمِ
أي : الذي هو أحسنُ، وبما هو سَفَهٌ، وتكونُ " ما " على هذا بدلاً من " مثلاً " كأنَّهُ قيل : مثلاً الذي هو بعوضةٌ.
قال النَّحَّاسُ :" والحذفُ في " ما " أقبحُ منه في " الذي " لأن " الذي " إنّما له وجه واحد، والاسم معه أطول ".
والثاني : أن تُجْعَلَ " ما " زائدة، أو صفةً، وتكون " هو بعوضةٌ " جملة كالمفسِّرة لما انطوى عليه الكلامُ.
ويقال : إنَّ معنى :" ضربتُ له مثلاً " مَثَّلْتُ له مَثَلاً، وهذه الأبنيةِ على ضربٍ واحدٍ، وعلى مثال [واحد] ونوعٍ واحد.
والضربُ : النوعُ، والبعوضةُُ : واحِدةُ البعوض، وهو معروف، وهو في الأَصْلِ وَصْفٌ على فَعُول كالقَطُوع، مأخوذ من البَعْض، وهو القَطْع، وكذلك البَضْع والعَضْب ؛ قال :[الوافر] ٣٢٨ - لَنِعْمَ البَيْتُ بَيْتُ أَبِي دِثَارٍ
إِذَا مَا خَافَ بَعْضُ القَوْمِ بَعْضَا
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٥٩