قال القرطبيُّ :" والعاقر : العظيم من الرمل، لا يُنْبِت شيئاً، والعُقْر - أيضاً - مهر المرأة إذا وطئت بِشُبْهَةٍ وبَيْضَةُ الْعُقْر : زعموا أنها بيضة الديك، لأنه يبيض في عمره بيضةً واحدةً إلى الطول، وعقر النار - أيضاً - وسطها ومعظمها وعقر الحوض : مُؤخِّره - حيث تقف الإبل إذا وردت ".
قوله :﴿قَالَ كَذَلِكَ﴾ هذا القائل هو الرب المذكور في قوله :﴿رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ﴾ وقد ذكرنا أنه يحتمل أن يكون هو الله تعالى، وأن يكون هو جبريل - عليه السلام.
قوله :﴿كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ﴾ في الكاف وجهان : أحدهما : أنها في محل نصب، وفيه التخريجان المشهوران : الأول - وعليه أكثر المعربين - : أنها نعت لمصدر محذوف، وتقديره يفعل الله ما يشاء من الأفعال العجيبة، مثل ذاك الفعل، وهو خلق الولد بين شيخ فَانٍ وعجوز عاقرٍ.
والثاني أنها في محل نصب على الحال من ضمير ذلك المصدرِ، أي : يفعل الفعل حال كونه مثل ذلك وهو مذهب سيبويه، وقد تقدم إيضاحه.
الثاني - من وجهي الكاف - : أنها في محل رفع خبر مقدَّم، ولفظ الجلالة مبتدأ مؤخر، فقدره الزمخشري على نحو هذه الصفة لله، ويفعل ما يشاء بيان له، وقدره ابن عطية :" كهذه القدرة المستغربة هي قدرة الله ".
وقدّره أبو حيّان، فقال :" وذلك على حذف مضاف، أي : صنع الله الغريب مثل ذلك الصنع، فيكون ﴿يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ﴾ شرحاً للإبهام الذي في اسم الإشارة ".
فالكلام - على الأول - جملة واحدة، وعلى الثاني جملتان.
وقال ابن عطية :" ويحتمل أن تكون الإشارة بذلك إلى حال زكريا وحال امرأته، كأنه قال : رَبِّ على أيّ وجه يكون لنا غلام ونحن بحال كذا ؟ فقال لهما : كما أنتما يكون لكما الغلام، والكلام تام، على هذا التأويل - في قوله " كذلك "، وقوله :﴿اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ﴾ جملة مبيِّنة مقررة في النفس وقوع هذا الأمر المستغرب ".
٢٠٧
وعلى هذا الذي ذكره يكون " كَذَلِكَ " متعلقاً بمحذوف، و " اللهُ يَفْعَلُ " جملة منعقدة مع مبتدأ وخبر.
قوله :﴿اجْعَلْ لِّى آيَةً﴾ يجوز أن يكون الجعل بمعنى التصيير، فيتعدى لاثنين : أولهما " آية "، الثاني : الجار قبله، و التقديم - هنا - واجب ؛ لأنه لا مسوغ للابتداء بهذه النكرة - وهي آية - أي : لو انحلت إلى مبتدأ وخبر إلا تقدم هذا الجار، وحكمها بعد دخول الناسخ حكمها قبله، والتقدير : صير آية من الآيات لي، ويجوز أن يكون بمعنى الخلق والإيجاد - أي : أوجد لي آية - فيتعدى لواحد، وفي " لِي " - على هذا - وجهان : أحدهما : أن يتعلق بالجَعْل.
والثاني : أن يتعلق بمحذوف على أنه حال من " آيةً " ؛ لأنه لو تأخَّر لجاز أن يقع صفة لها.
ويجوز أن يكون للبيان.
وحرك الياء - بالفتح - نافع وأبو عمرو، وسكنها الباقون.
فصل المراد بالآية : العلامة، أي : علامة أعلم بها وقتَ حضمْل امرأتي، فأزيد في العبادة شكراً لذلك، وذكروا في الآية وجوهاً : أحدها : أنه - تعالى - حبس لسانه ثلاثة أيامٍ، فلم يقدر أن يكلم الناس إلا رمزاً ؛ وهو قول أكثر المفسّرين، وفيه فائدتان : إحداهما : أن يكون ذلك دليلاً على علوق الولد.
والثانية : أنه تعالى - حبس لسانه عن أمور الدنيا، وأقْدَره على الذكر، والتسبيح، والتهليل، فيكون في تلك المدةِ مشتغِلاً بذكر الله - تعالى - وبالطاعة وبالشكر على تلك النعمة.
واعلم أن اشتمالَ تلك الْوَاقِعَةِ على المعجزة من وجوهٍ : أحدها : أن قدرته على التكلُّم بالتسبيح والذكر، وعجزه عن الكلام بأمور الدنيا من أعظم المعجزات.
وثانيها : أن حصول تلك المعجزة في تلك الأيامِ المقدرة - مع حصول البنية واعتدال المزاج - معجزة ظاهرة.
ثالثها : أن إخباره بأنه متى حصلت هذه الحالة، فقد حصل الولد، ثُم إنَّ الأمر خرج على وفق هذا الخبر.
٢٠٨