وقال عطاء : أراد صوم ثلاثة أيامٍ ؛ لأنهم كانوا إذا صاموا لم يتكلموا إلا رمزاً.
وقرأ العامة :" رمزاً " - بفتح الراء وسكون الميم - وقرأ يحيى بن وثَّابِ وعلقمة بن قيس " رُمُزاً " بضمها - وفيه وجهان : أحدهما : أنه مصدر على " فُعْل " - بتسكين العين - في الصل، ثم ضُمَّتِ العين ؛ إتباعاً، كقولهم اليُسُر والعُسُر - في اليُسْر والعُسْر - وقد تقدم كلام أهل التصريف فيه.
والثاني : أنه جمع رموز - كرُسُل في جمع رسول - ولم يذكر الزمخشريُّ غيره.
وقال أبو البقاء :" وقرئ بضمها - أي : الراء - وهو جمع رُمُزَة - بضمتين - وأقر ذلك في الجمع.
ويجوز أن يكون مسَكَّنَ الميم - في الأصل - وإنما أتبع الضمُّ الضَّمَّ.
ويجوز أن يكون مصدراً غير جمع، وضُمَّ، إتباعاً، كاليُسُر واليُسْر ".
قال شهاب الدين : قوله :" جمع رُمُزة " إلى قوله : في الصل ؛ كلام لا يفهم منه معنى صحيح.
وقرأ الأعمش :" رَمَزاً " بفتحهما.
وخرجها الزمخشري على أنه جمع رامز - كخادم وخَدَم - وانتصابه على هذا - على الحال من الفاعل - وهو ضمير زكريا - والمفعول معاً - وهو الناس - كأنه قال : إلا مترامزين، كقوله :[الوافر] ١٤٥٠ - مَتَى مَا تَلْقَنِي فَرْدَيْنِ تَرْجُفْ
رَوَانِفُ ألْيَتَيْكَ وَتُسْتَطَارَا
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٧
وكقوله :[الكامل] ١٤٥١ - فَلَئِنْ لَقِيتُكَ خَالِيَيْنِ لَتَعْلَمَنْ
أَيِّي وَأيُّكَ فَارِسُ الأحْزَابِ ؟
قوله :" كَثِيراً " نعت لمصدر محذوف، أو حال من ضمير ذلك المصدر، أو نعت لزمان محذوف تقديره : ذِكْراً كثيراً، أو زماناً كثيراً، والباء في قوله :" بِالْعَشِيِّ " بمعنى " فِي " أي : في العشي والإبكار.
والعشي : يقال من وقت زوال الشمس إلى مَغيبها، كذا قال الزمخشريُّ.
٢١١
وقال الراغب :" العشيُّ من زوال الشمسِ إلى الصباحِ ".
والأول هو المعروف.
قال الشاعر :[الطويل] ١٤٥٢ - فَلاَ الظِّلُّ مِنْ بَرْدِ الضُّحَى تَسْتَطِيعُهُ
وَلاَ الْفَيْءُ مِنْ بَرْدِ العَشِيِّ تَذُوقُ
وقال الواحديُّ :" العَشِيّ : جمع عشية، وهي آخر النهارِ ".
والعامة قرءوا :" والإبْكَارِ " بكسر الهمزة، وهو مصدر أبكر يُبْكِر إبكاراً - أي : خرج بُكْرَةً، ومثله : بَكَرَ - بالتخفيف - وابتكر.
قال عمر بن أبي ربيعة :[الطويل] ١٤٥٣ - أمِنْ آلِ نُعْمٍ أنْتَ غَادٍ فَمُبْكر
......................
وقال :[الخفيف] ١٤٥٤ - أيُّهَا الرَّائِحُ المُجِدُّ ابْتِكَاراً
.....................
وقال أيضاً :[الطويل] ١٤٥٥ - بَكَرْنَ بُكُوراً وَاسْتَحَرْنَ بسُحْرَةٍ
فَهُنَّ لِوَادِي الرَّسِّ كَالْيَدِ لِلْفَمِ
وقرئ شاذاً " والأبْكَار " - بفتح الهمزة - وهو جمع بَكَرَ - بفتح الفاء والعين - ومتى أريد به هذا الوقت من يوم بعينه امتنع من الصرف والتصرُّف، فلا يُستعمَل غيرَ ظرف، تقول : أتيتك يوم الجمعة بَكَر.
وسبب مَنْع صَرْفه التعريفُ والعدل عن " أل ".
فلو أرِيدَ به وقت مُبْهَم انصرف نحو أتيتك بكراً من الأبكار ونظيره سحر وأسْحار - في جميع ما تقدم.
وهذه القراءة تناسب قوله :﴿بِالْعَشِيِّ﴾ عند من يجعلها جمع عَشِيَّة ؛ ليتقابل الجَمْعَان.
ووقت الإبكار من طلوع الفجر إلى وقت الضحى.
٢١٢
وقال الراغب : أصل الكلمة هي البكرة - أول النهار - فاشتقَّ من لفظه لفظُ الفعل، فقيل : بكر فلان بُكُوراً - إذا خرج بُكْرَةً.
والبَكور : المبالغ في البكور، وبَكَّر في حاجته، وابتكر وبَاكَر.
[وتصور فيها] معنى التعجيل ؛ لتقدُّمِها على سائر أوقاتِ النهار فقيل لكل مُتَعَجِّل : بَكَّر.
وظاهر هذه العبارة أن البَكَر مختص بطلوع الشمس إلى الضُّحَى، فإن أريد به من أول طلوع الفجر إلى الضحى فإنه على خلاف الأصلِ.
وقد صرح الواحديُّ بذلك، فقال :" هذا معنى الإبكارِ، ثم يُسَمَّى ما بين طلوعِ الفجر إلى الضُّحَى إبكاراً كما يسمى إصْبَاحاً ".
فصل قيل : المراد بالذكر الكثير : الذكر بالقلب، وقوله :﴿وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ﴾ محمول على الذكر باللسان.
وقيل : المراد بالتسبيح : الصلاة ؛ لأنها تسمى تسبيحاً، قال تعالى :﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [الروم : ١٧].
ومنه سمي صلاة الظهر والعصر : صلاتي العشيّ.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٧
إن شئت جعلتَ " إذ " نسقاً على الظرف قبله - وهو قوله :﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ﴾
٢١٣