وقت الولادة ؛ صوناً له عن مَسِّ الشيطان.
أو لأنه خرج من بطن أمه مَمْسُوحاً بالدُّهْن.
والثاني : أنّ وزنه مَفْعِل - من السياحة - وعلى هذا تكون الميمُ فيه زائدة، وعلى هذا كلِّه، فهو منقول من الصفة.
وقا لأبو عمرو بن العلاء : المَسِيح : الملك.
وقال النَّخَعِيُّ : المسيح : الصديق.
ويكون المسيح بمعنى : الكذَّاب، وبه سُمِّي الدجال، والحرف من الأضداد.
وسمي الدجَّال مَسِيحاً لوجهَيْن.
أحدهما : أنه ممسوح إحدى العينَيْن.
الثاني : أنه يَمْسَح الأرضَ - أي يقطعها - في المدةِ القليلةِ، قالوا : ولهذا قيل له : دَجَّال ؛ لضَرْبه الأرضَ، وقَطْعِه أكثر نواحيها.
يقال : قد دَجَل الرجلُ - إذا فعل ذلك.
وقيل : سُمِّي دَجَّالاً من دَجَّل الرجل إذا موَّه ولبَّس.
قال أبو عبيدٍ واللَّيْث : أصله - بالعبرانية - مَشِيحَا، فغُيِّر.
قال أبو حيان :" فعلى هذا يكون اسماً مرتجلاً، ليس مُشْتَقاً من المَسْح، ولا من السياحة ".
قال شهاب الدينِ :" قوله : ليس مشتقاً صحيح، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون مُرْتَجَلاً ولا بد، لاحتمال أن يكون في لغتهم مَنْقُولاً من شيء عندهم ".
وعيسى أصله : يسوع، كما قالوا في موسى : أصله موشى، أو ميشا - بالعبرانية.
فيكون من الاشتقاق الأوسط لأنه يُشْتَرط فيه وجود الحروف لا ترتيبها، والأكبر يُشترط فيه أن يكون في الفرع حرفان، والأصغر يُشْتَرط فيه أن يكون في الفرع حروف الأصل مرتَّبَةً.
وعيسى اسم أعجمي، فلذلك لم يَنْصَرف - في معرفة ولا نكرة - لأنَّ فيه ألفَ تأنيث، ويكون مُشْتَقاً من عاسه يعوسه، إذا سَاسَه وقام عليه.
وأتى الضمير مذكَّراً في قوله :" اسْمُهُ " وإن كان عائداً على الكلمة ؛ مراعاةً للمعنى ؛ إذ المراد بها مذكَّر.
وقيل - في الدَّجّال - : مِسِّيح - بكسر الميم وشد السين، وبعضهم يقوله كذا بالخاء المعجمة، وبعضهم يقوله بفتح الميم والخاء المعجمة - مُخَفَّفاً - والأول هو المشهور ؛ لأنه يمسح الأرض - أي : يطوفها - ويدخل جميعَ بلدانِها إلا مكةَ والمدينةَ وبيتَ المقدسِ، فهو فعيل بمعنى فاعل.
والدَّجَّال يمسح الأرضَ محنة وابنُ مريمَ يمسحها مِنْحَةً.
وإن كان سُمِّي مسيحاً ؛ لأنه ممسوح العين فهو فعيل بمعنى مفعول.
٢٢٤
قال الشاعر :[الرجز] ١٤٦٢ -......................
إذَا الْمَسِيحُ يَقْتُلُ الْمَسِيحَا
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٣
فصل " ابنُ مريم " يجوز أن يكون صفة لـ " عيسَى " قال ابن عطية : وعيسى خبر لمبتدأ محذوف، ويدعو إلى هذا كون قوله :" ابن مريم " صفة لعيسى ؛ إذْ قد أجمع الناسُ على كَتْبِهِ دون ألفٍ.
وأما على البدل، أو عطف البيان فلا يجوز أن يكون " ابْنُ مَريمَ " صفة لـ " عِيسَى " لأن الاسم - هنا - لم يُرَدْ به الشخص.
هذه النزعة لأبي علي.
وفي صدر الكلام نظرٌ.
انتهى.
قال شهابُ الدِّينِ :" فقد حَتَّم كونه صفة ؛ لأجل كَتْبهِ بغير ألف، وأما على البدل، أو عطف البيان فلا يكون " ابْنُ مَرْيَمَ " صفة لـ " عِيسَى " يعني : بدل عيسى من المسيح، فجعله غير صفة له مع وجود الدليل الذي ذكره، وهو كتبه بغير ألف ".
وقد منع أبو البقاء أن يكون " ابْنُ مَرْيَمَ " بدلاً أو صفة لـ " عِيسَى " قال :" لأن " ابْن مَرْيَمَ " ليس بالاسم ألا ترى أنك لا تقول : اسم هذا الرجل ابن عمرو - إلا إذا كان قد عُلِّق عَلَماً عليه ".
قال شهاب الدينِ :" وهذا التعليل الذي ذكره إنما ينهض دليلاً في عدم كونه بدلاً، وأما كونه صفة، فلا يمنع ذلك، بل إذا كان اسماً امتنع كونه صفة ؛ إذ يصير في حكم الأعلامِ، وهي لا يُوصف بها، ألا ترى أنك إذا سميت رجلاً بـ " ابن عمرو " امتنع أن يقع " ابن عمرو " صفة والحالة هذه ".
قال الزمخشريُّ :" فإن قلتَ : لِمَ قِيلَ :﴿اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ﴾ وهذه ثلاثة أشياء، الاسم عِيسَى، وأما المسيح والابن فلَقَب، وصفة ؟ قلت : الاسم للمسمَّى يُعْرَف بها، ويتميَّزُ من غيره، فكأنه قِيلَ : الذي يُعْرَف به ويتميز ممن سواه مجموع هذه الألفاظِ الثلاثةِ ".
فظهر من كلامه أن مجموع الألفاظِ الثلاثة أخبار عن اسمه، بمعنى أنَّ كُلاًّ منها ليس مُستَقِلاً بالخبريَّةِ، بل هو من باب : هذا حُلْوٌ حَامِضٌ [وهذا أعسر يسرا].
ونظيره قول الشاعر :[الخفيف] ١٤٦٣ - كَيْفَ أصْبَحْتَ كَيْفَ أمْسَيْتَ مِمَّا
يَزْرَعُ الوُدَّ فِي فُؤادِ الْكَرِيمِ
٢٢٥
أي مجموع كيف أصبحت، وكيف أمسيت.
فكما جاز تعدُّد المبتدأ لفظاً - من غير عاطف - والمعنى على الْمَجْمُوعِ، فكذلك في الْخَبَرِ.
وقد أنشدوا عليه أبياتاً كقوله :[الرجز} ١٤٦٤ - مَنْ يَكُ ذَا بَتٍّ فَهَذَا بَتِّي
مُقَيِّظٌ، مُصَيِّفٌ، مَشَتِّي


الصفحة التالية
Icon