" مفارقة الروح الجسد ".
فصل في أوجه ورود لفظ الحياة الأول : بمعنى دخول الرُّوح في الجَسَدِ كهذه الآية.
الثاني : بمعنى " الإسلام " قال تعالى :﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ [الأنعام : ١٢٢] أي : هديناه إلى الإسلام.
الثالث : بمعنى " صفاء القلب " قال تعالى :﴿اعْلَمُوا ااْ أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [الحديد : ١٧] أي يصفي القلوب بعد سَوَاداها.
الرابع : بمعنى " الإنبات " قال تعالى :﴿وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا﴾ [يس : ٣٣] أي : أنبتناها.
الخامس : بمعنى " حياة الأنفس " قال تعالى :﴿يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ [الفجر : ٢٤].
السادس : بمعنى " العيش " قال تعالى :﴿فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل : ٩٧] أي : لنرزقنّه عيشاً طيباً.
فصل في إثبات عذاب القبر قال ابن الخطيب : احتج قوم بهذه الآية على بطلان عذاب القَبْرِ، قالوا : ويؤيده قوله :﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذالِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ [المؤمنون : ١٥، ١٦] ولم يذكر حياةً فيما بين هاتين الحالتين، قالوا : ولا يجوز الاستدلال بقوله تعالى :﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ﴾ [غافر : ١١] ؛ لأنه قول الكفار، ولأنّ كثيراً من الناس أثبتوا حياة الذَّر في صُلب آدم حين استخرجهم وقال لهم :﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ﴾ [الأعراف : ٣٢] وعلى هذا التقدير حصل حَيَاتان وموتتان من غير حَاجَةٍ غلى إثبات حَيَاةٍ في القبر، فالجواب لم يلزم من عدم الفِكْرِ في هذه الآية ألا تكون حاصلة، وأيضاً فللقائل أن يقول : إن الله - تعالى - ذكر حَيَاة القبر في هذه الآية ؛ لأن قوله :" ثُمَّ يُحْيِيكُمْ " ليس هو الحياة الدائمة، وإلا لما صح أن يقول :" ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُون " ؛ لأن كلمة " ثُمَّ " تقتضي التَّراخِي، والرجوع إلى الله - تعالى - حاصل عقب الحَيَاةِ الدَّائمةِ من غير تَرَاخٍ، فلو جعلنا الآية من هذا الوجه دليلاً على حياة القبر كان قريباً.
قوله :" ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُون " الضمير في " إليه " لله تعالى، وهذا ظاهر ؛ لأنه كالضمائر قبله، وثَمَّ مضاف محذوف أي : إلى ثوابه وعقابه.
وقيل : على الجزاء على الأعمال.
وقيل : على المكان الذي يتولّى الله فيه الحكم بينكم.
وقيل : على الإحياء المدلول عليه بـ " أحياكمط، يعني : أنكم ترجعون إلى الحال الأولى التي كنتتم عليها في ابتداء الحياة الأولى من كونكم لا تملكون لأنفسكم شيئاً.
والجمهور على قراءة " تُرْجَعُون " مبنياً للمفعول.
وقرأ يحيى بن يعمر : وابن أبي إسحاق، ومُجَاهد، وابن مُحَيصن، وسلام، ويعقوب مبنياً للفاعل حيث جاء.
ووجه القراءتين أن " رجع " يكون قاصراً ومتعدياً فقراءة الجُمْهور من المتعدّي، وهو أرجح ؛ لأن أصلها " ثُمَّ إِلَيْهِ مرجعكم " لأن الإسناد في الأفعال السَّابقة لله تَعَالَى، فناسب أن يكون هذا كله، ولكنه بني للمفعول لأجل الفواصل والمقاطع.
و " أموات " جمع " ميِّت " وقياسه على فعائل كسيّد وسيائد، والأولى أن يكون أن يكون " أموات " جمع " مَيْت " مخففاً كـ " أقوال " في جمع " قول "، وقد تقدمت هذه المادّة.
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٣
هذا هو النعمة الثانية اليت عمّت المكلفين بأسرهم.
" هو " مبتدأ، وهو ضمير موفوع منفصل للغائب المذكر، والمشهور تخفيفُ واوه وفتحها، وقد تشدد ؛ كقوله :[الطويل] ٣٤٣ - وَإِنَّ لِسَانِي شُهْدَةٌ يُشْتَفَى بِهَا
وَهُوَ عَلَى مَنْ صَبَّهُ اللهُ عَلْقَمُ
وقد تسكن، وقد تحذف كقوله :[الطويل] ٣٤٤ - فَبَيْنَاهُ يَشْرِي رَحْلَهُ....
...............................