وقيل : ثَمَّ مضاف محذوفٌ ضميره هو الفاعل، أي : استوى أمره، و " إلَى السَّمَاءِ " متعلّق بـ " اسْتَوَى "، والضمير في " فَسَوَّاهُنّ " يعود على السَّمَاء، إما لأنها جمع " سماوة " كما تقدم، وإما لأنها اسم جنس يطلق على الجمع.
وقال الزمخشري :" هُنَّ " ضمير مبهم، و " سَبْعَ سَمَاوَاتٍ " تفسيره، كقولهم : رُبَّهُ رَجُلاً "، وقد رد عليه بأنه ليس من [المواضع التي يفسر فيها الضمير بما بعده ؛ لأن النحويين حصروا ذلك في سبع مواضع] : ضمير الشأن، والمجرور بـ " رب "، والمرفوع بـ " نعم وبئس "، وما جرى مجراهما، وبأول المتنازعين، والمفسر بخبره، وبالمُبْدَل منه.
ثم قال هذا المعترض : إلا أن يتخيل فيه أن يكون " سَبْعَ سَمَاواتٍ " بدلاً، وهو الذي يقتضيه تشبيهه بـ " رُبُّهُ رَجَلاً " فإنه ضمير مبهم ليس عائداً على شيء قبله، لكن هذا يضعف بكون التقدير يجعله غير مرتبطٍ بما قبله ارتباطاً كلياً، فيكون أخبرنا بإخبارين : أحدهما : أنه استوى إلى السماء.
والثاني : أنه سوى سبع سماوات.
وظاهر الكلام أن اذلي استوى إليه هو المستوي بعينه.
ومعنى تسويتهنّ : تعديل خلقهن، وإخلاؤه من العِوَجِ، والفُطُور وإتمام خَلْقهن.
قوله :" سَبْعَ سَمَواتٍ " في نصبه خمسة أوجه : أحسنها : انه بدلٌ من الضمير في " فَسَوَّاهُنَّ " العائد على " السَّمَاءِ " كقولك، أخوك مررت به زيد.
الثاني : أنه بدل من الضمير أيضاً، ولكن هذا الضمير يفسره ما بعده، وهذا يضعف بما ضعف به قول الزمخشري المتقدّم.
الثالث : أنه مفعول به، والأصل، فسوَّى منهن سَبْعَ سموات، وشبهوه بقوله تعالى :﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف : ١٥٥] أي : من قومه قاله أبو البقاء وغيره، وهذا ضعيف لوجهين : أحدهما : بالنسبة إلى اللفظ.
والثاني : بالنسبة إلى المعنى.
أما الأول فلأنه ليس من الأفعال المتعدية لاثنين.
أحدهما : بإسقاط الخافض ؛ لأنها محصورة في " أمر " و " اختار " وأخواتها.
الثاني : أنه يقتضي أن يكون ثَمَّ سماوات كثيرة، سوى من جملتها سبعاً، وليس كذلك.
الرابع : أن " سوى " بمعنى " صَيَّر " فيتعدّى لاثنين، فيكون " سَبْعَ " مفعولاً ثانياً، وهذا لم يثبت أيضاً، أعني جعل " سَوَّى " مثل " صَيَّرَ ".
فصل في هيئة السماوات السبع اعلم أن القرآن - هاهنا - قد دلّ على سبع سماوات.
وقال أصحاب الهيئة : أقربها إلينا كرة القمر، وفوقها كرة عطارد، ثم كرة الزّهرة، ثم كرة الشَّمس، ثم كرة المرّيخ، ثم كرة المشتري، ثم كرة زُحَل، قالوا : لن الكوكب الأسفل إذا مَرَّ بين أبصارنا، وبين الكوكب الأعلى، فإنهما يصيران ككوكب واحدٍ، ويتميز السَّاتر عن المَسْتور بلونه الغَالب كَحُمْرَةِ المريخ، وصُفْرَة عطارد، وبَيَاض الزهرة، وزُرْقَة المُشْتري، وكدرة زُحَل، وكلّ كوكب فإنه يكسف الكوكب الذي فوقه.
فصل في الاستدلال على سبق خلق السماوات وعلى الأرض قال [بعض المَلاَحدة] : هذه الآية تدلّ على أن خلق الأرض قبل خلق السَّماء، وكذا قوله :﴿أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ [فصلت : ٩] إلى قوله تعالى :﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ﴾ وقال في سورة " النازعات " :﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات : ٣٠] وهذا يقتضي أن يكون خلق الأرض بعد السماء، وذكروا في الجواب وجوهاً : أحدها : يجوز أن يكون خلق الأرض قبل السماء إلاّ أنه دَحَاهَا حتى خلق السماء ؛ لأن التدحية هي البَسْط.
ولقائل أن يقول : هذا مُشْكل من وجهين : الأول : ان الأرض جسم عظيم، فامتنع انفكاك خلقها عن التَّدْحية، وإذا كانت التَّدْحية متأخّرة عن خلق السماء كان خلقها لا مَحَالَة متأخراً عن خلق السماء.
الثاني : أن قوله :" خَلَقَ لَكُم الأَرْضَ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء " يدلّ على أن خلق الأرض، وخلق كل ما فيها متقدم على خلق السماء، وخلق هذه الأشياء في الأرض لا يمكن إِلاَّ إذا كانت مدحوةً، فهذه الآية على كونها مدحوة قبل خلق السَّماء، فيعود التَّنَاقض.
والجواب الثاني : أن قوله :﴿وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ [النازعات : ٣٠] يقتضي تقديم خلق السماء على الأرض، ولا يقتضي أن تكون تسوية السماء مقدّمة على خَلْقِ الأرض، وعلى هذا التَّقْدِير يزول التناقض.
ولقائل أن يقول : قوله :﴿أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَآءُ بَنَاهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا﴾ [النازعات : ٢٧ - ٢٨] يقتضي أن يكون خلق السماء، وتسويتها مقدماً على تدحية الأرض، ولكن تَدْحِيَةَ الأرض ملازمة لخلق ذات الأرض، وحينئذ يعود السؤال.
والجواب الثالث وهو الصحيح أن قوله :" ثُمّ " ليس للترتيب هاهنا، وإنما هو على جِهَةِ تعديد النعم، على مثل قول الرَّجل لغيره : أليس قد أعطيتك النعم العظيمة، ثم وقعت الخُصُوم عنك، ولعلّ بعض ما أخره في الذكر قد تقدّم فكذا ها هنا، والله أعلم.
فإن قيل : هل يَدُلّ التنصيص على سَبْعِ سموات على نَفْي العدد الزائد ؟ قال ابن