وللأخفش أن يقول : أصله :" وأنت حينئذ " فلما حذف المضاف بقي المُضَاف إليه على حاله، ولم يقم مقامه نحو :﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ﴾ [الأنفال : ٦٧] بالجر، إلا أنه ضعيف.
و " قَالَ رَبُّكَ " : جملة فعلية في محلّ خفض بإضافة الظرف إليها، واعلم أنّ " إذ " فيه تسعة أوجه، أحسنها أنه منصوب بـ " قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا " أي : قالوا ذلك القول وضقْتَ قول الله عز وجل إني جاعل في الأرض خليفة، وهذا أسهل الأوجه.
الثاني : أنه منصوب بـ " اذكر " مقدراً، وقد تقدم أنه لا يتصرّف، فلا يقع مفعولاً.
الثالث : أنه منصوب بـ " خلقكم " المتقدّم في قوله :﴿اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ [البقرة : ٢١] والواو زائدة.
وهذا ليس بشيء لطول الفصل.
الرابع : أنه منصوب بـ " قال " بعده، وهذا فاسد ؛ لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف.
الخامس : أنه زائد، ويُعْزَى لأبي عبيدة.
السادس : أنه بمعنى " قد ".
السابع : أنه خبر لمبتدأ مَحْذوف تقديره : ابتداء خلقكم وَقْتَ قول ربك.
الثامن : أنه منصوب بفعل لائقٍ تقديره : ابتداء خلقكم وَقْتَ قوله ذلك.
وهذان ضعيفان، لأن وقت ابتداء الخَلْقِ ليس وقت القول، وايضاً لا يتصرف.
التاسع : أنه منصوب بـ " أحياكم " مقدراً، وهذا مردودٌ باختلاف الوقتين أيضاً.
و " للملائكة " متعلّق بـ " قال " واللاَّم للتبليغ.
و " ملائكة " جمع " مَلَك "، واختلف في " ملك " على ستة أقوال، وذلك أنهم اختلفوا في ميمه، ها هي أصلية أو زائدة ؟ والقائلون بأصالتها اختلفوا.
فقال بعضهم :" ملك " وزنه " فَعَلٌ " من المِلْك، وشذّ جمعه على " فَعَائلة "، فالشذوذ في جمعه فقط.
وقال بعضهم : بل أصله " مَلأْك "، والهمزة فيه زائدة كـ " شَمْأَل "، ثم نقلت حركة الهمزة إلى " اللام "، وحذفت الهمزة تخفيفاً، والجمع جاء على أصل الزيادة، فهذان قولان عند هؤلاء.
والقائلون بزيادتها اختلفوا أيضاً : فمنهم من قال : هو مشتقٌّ من " أَلَكََ " أي : أرسل، ففاؤه همزة، وعينه لام ؛ ويدلّ عليه قوله :[المنسرح] ٣٥١ - أَبْلِغْ أَبا دَخْتَنُوسَ مَألُكَةً
عَنِ الَّذِي قَدْ يُقَالُ مِلْكَذِب
جزء : ١ رقم الصفحة : ٤٦٣
وقال الآخر :[الرمل] ٣٥٢ - وَغُلاَمٍ أَرْسَلَتْهُ أُمُّهُ
بِأَلُوكٍ فَبَذَلْنَا مَا سَأَلْ
وقال آخر :[الرمل] ٣٥٣ - أَبْلِغِ النُّعْمَانَ عَنِّي مَأْلَكاً
أَنَّه قََدْ طَالَ حَبْسِي وَانْتِظَاري
فأصل ملك : ثم قلبت العين إلى موضع الفاء "، و " الفاء " إلى موضع " العين " على وزن " مَفْعَلٍ " ثم نقلت حركة " الهمزة " إلى " اللام "، وحذفت " الهمزة " تخفيفاً، فيكون وزن ملك :" مَعَلاً " بحذف الفاء.
ومنهم من قال : هو مشتقّ من " لأك " أي : أرسل أيضاً، ففاؤه لام، وعينه همزة، ثم نقلت حركة الهمزة، وحذفت كما تقدّم، ويدلّ على ذلك أنه قد نطق بهذا الأصل قال :[الطويل] ٣٥٤ - فَلَسْتَ لإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لمَلأَكٍ
تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ
ثم جاء الجمع على الأصل، فردّت الهمزة على كلا القولين، فوزن " ملائكة " على هذا القول " مَفَاعلة "، وعلى القول الذي قبله " مَعَافِلَة " بالقَلْب.
وقيل : هو مشتقٌّ من :" لاَكَهُ - يَلُوكُه " إذا " أداره - يديره " ؛ لأن الملك يدير الرسالة في فِيهِ، فأصل مَلْك : مَلُوك، فنقلت حركة " الواو " إلى " اللام " الساكنة قبلها، فتحرك حرف العلّة، وانفتح ما قبله فقلب " ألفاً "، فصار : ملاكاً مثل :" مقام "، ثم حذفت الألف تخفيفاً، فوزنه :" مفل " بحذف العين، وأصل " ملائكة " :" ملاوكة "، فقلبت " الواو همزة "، ولكن شرط قلب الواو والياء همزة بعد ألف مفاعل أن تكون زائدة نحو :" عَجَائز " و " رَسَائل "، على أنه قد جاء ذلك في الأصل قليلاً قالوا :" مَصَائب " و " مَنَائِر "، وقرىء شاذَّا، ﴿مَعَايِشَ﴾ [الأعراف : ١٠] بالهمز، فهذه خمسة أقوال.
السّادس : قال النضر بن شُمَيْلٍ : لا اشتقاق لـ " الملك " عند العرب " والهاء " في " ملائكة " لتأنيث الجمع، نحو :" صَلاَدمة ".
وقيل : للمُبَالغة كـ " عَلاّمة " و " نسَّابة "، وليس بشيء، وقد تحذف هذه الهَاء شذوذاً ؛ قال الشاعر :[الطويل]
٣٥٥ - أَبَا خَالِدٍ صَلَّتْ عَلَيْكَ المَلاَئِكُ


الصفحة التالية
Icon