١٧٤٨ - وَطَابَ ألْبَانُ اللِّقَاحِ وَبَرَدْ
في " برد " ضمير يعود على " ألبان " لسدِّ " لبن " مسدَّها.
الثالث : أنه يعود على " الصَّدُقات " أيضاً، لكن ذهاباً بالضمير مذهب الإشارة فَإنَّ اسم الإشارة قد يُشارُ بِهِ مفرداً مذكراً إلى أشياء تقدمت، كقوله :﴿قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِّن
١٧٣
ذالِكُمْ﴾ [آل عمران : ١٥] بعد ذكر أشياء قبله، وقد تقدم ما روي في البقرة ما حكي عن رؤية لما قيل له في قوله :[الرجز] ١٧٤٩ - فِيهَا خُطُوطٌ مِنْ سَوَادِ وَبَلَقْ
كَأَنَّهُ فِي الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٠
فقال : أردت ذلك فأجْرَى الضمير مجرى اسم الإشارة.
الرابع : أنه يعود على المال، وإنْ لم يَجْرِ له ذِكْرٌ ؛ لأنَّ الصَّدُقاتِ تدُلُّ عليه.
الخامس : أنه يعود على الإيتاء المدلول عليه بـ " آتوا "، قاله الرَّاغب وابن عطيَّة.
السَّادس : قال الزمخشريُّ " ويجوز أن يُذَكَّر الضمير ؛ لينصرف إلى الصَّداق الواحد، فيكون متناولاً بَعْضَهُ، ولو أَنّثَ لتناول ظاهرة هبةَ الصَّداق كُلِّه ؛ لأنَّ بعض الصُّدقات واحد منها فصاعداً ".
وقال أبو حَيَّان : وأقولُ حَسَّن تذكير الضمير أن معنى " فَإنْ طِبْنَ " فإن طابَتْ كُلُّ واحدةٍ فلذلك قال :" منه " أي : مِنْ صَداقِها، وهو نظير قوله :﴿وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً﴾ [يوسف : ٣١] ؛ أي لكلّ واحدة منهن، ولذلك أفرد " متكأ ".
قوله :" نَفْسَاً " منصوب على التَّمييز، وهو هنا منقولٌ من الفاعل ؛ إذ الأصل : فإنْ طابَتْ أنفسُهُنَّ، ومثله ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً﴾ [مريم : ٤].
وهذا منصوب عن تمام الكلام، وجِيء بالتمييز هنا مفرداً، وإن كان قبلَه جمعٌ لعدم اللَّبْسِ، إذْ من المعلوم أنَّ الكُلَّ لَسْنَ مشتركاتٍ في نفسٍ واحدةٍ، ومثله : قَرَّ الزيدون عيناً، كقوله :﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْع﴾ [هود : ٧٧] وقيل : لَفْظثهَا واحد ومعناها جمع، ويجوز " انفساً " " وأعيناً " وَلاَ بُدَّ مِنَ التعرُّض لقاعدةٍ يَعُمُّ نفعها، وهي أنَّه إذا وقع تمييز بعد جمع منتصبٍ عن تمام الكلام فلا يخلو : إمَّا أن يكون موافقاً لما قبله نحو : كَرُمَ الزيدون رجالاً، كما يطابقهُ خبراً وصفةً وحالاً.
وإن كان الثاني : فإمَّا أن يكونَ مفرد المدلول أو مختلفة، فإن كان مفردَ المدلول وَجَبَ إفرادُ التمييز كقولك في أبناء رجل واحد : كَرُمَ بنو زيدٍ أباً أو أصلاً، أي : إنَّ لهم جميعهم أباً واحداً متصفاً بالكرمِ، ومثله " كَرم التقياء سَعْياً "، إذا لم تَقصدْ بالمصدر اختلافَ الأنواع لاختلاف محالَّه، وإنْ كَانَ مختلفَ المدلول : فإما أن يُلبِسَ إفرادُ التمييز لو أُفرد أولاً، فإن ألْبَسَ وَجَبَت المطابقُ نحو : كَرُمَ الزيدون آباء، أي : أن لكل واحد أباً غير أب الآخر يتصفُ بالكرمِ، ولو أفردت هنا لَتُوُهِّم أنهم كلَّهم بنو أبٍ واحد، والغرضُ خلافه، وإنْ لم يُلبس جاز الأمران المطابقة والإفراد، وهو الأوْلى، ولذلك جاءت عليه
١٧٤
الآية الكريمةُ، وحكمُ التثنية في ذلك كالجمع، وَحَسَّنَ الإفرادَ ها هنا أيضاً ما تقدَّم مِن مُحَسِّنِ تذكير الضمير وإفراده في " منه "، وهو أنَّ المعنى : فإن طابت كُلُّ واحدة نفساً.
وقال بعض البصريين :" إنَّما أفرد ؛ لأن المراد بالنفس هنا الهوى، والهوى مصدر، والمصادر لا تُثَنَّى ولا تجمع ".
وقال الزَّمخشريُّ : و " نَفْسَاً " تمييزٌ، وتوحيدثها ؛ لأن الغرضَ بيانُ الجنس والواحد يدل عليه.
ونحا أبو البَقاءِ نَحْوَهُ، وشَبَّهَهُ بـ " درهماً " في قولك : عشرون درهماً.
واختلف النحاةُ في جوازِ تقديمِ التمييزِ على عامله إذا كان متصرفاً فمنعه سيبويه، وأجازه المبرد وجماعة مستدلين بقوله :[الطويل] ١٧٥٠ - أتَهْجُرُ لَيْلَى بِالفُرَاقِ حَبيبَها
وَمَا كَانَ نَفْساً بالفراقِ تَطِيبُ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٧٠
وقوله :[الطويل] ١٧٥١ - رَدَدْتُ بِمِثْلِ السَّيدِ نَهْدٍ مُقَلَّصٍ
كَمِيشٍ إذَا عِطْفَاهُ مَاءً تَحَلَّبَا