وقال ابن عطية تقديره : لو تركوا لخَافُوا، ويجوزُ حذف اللام من جواب " لو " ووجه التمسك بهذه العبارة أنَّهُ جعل اللامَ مقدَّرَةً في جوابها، ولو كانت " لَوْ " يمتنع بها الشَّيء لامتناع غيره، و " خَافُوا " جوابُ " لَوْ ".
وإلى الاحتمال الثَّانِي ذهب أبو البقاءِ وابنُ مَالِكٍ :" لو " هنا شرطية بمعنى " إنْ " فتقلب الماضي إلى معنى الاستقبال، والتَّقدير : وليخش الذين إنْ تركوا ولو وقع بعد " لو " هذه مضارع كان مستقبلاً كما يكونُ بَعْدَ " إنْ " وأنشد :[الكامل] ١٧٦١ - لاَ يُلْفِكَ الرَّاجُوكَ إلاَّ مُظْهِراً
خُلُقَ الكِرَام وَلَوْ تَكُونُ عَدِيماً
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٨
أي : وإنْ تكن عديماً، ومثلُ هذا البيت قول الآخر :[البسيط] ١٧٦٢ - قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا شَدُّوا مَآزِرَهُمْ
دُونَ النَّسَاءِ وَلَوْ بَاتَتْ بأطْهَارِ
والَّذي ينبغي أن تكون على بابها كونها تعليقاً في الماضي، وَإِنَّمَا حمل ابْنُ مالك، وَأبَا البقاء على جَعْلِها بمعنى " إنْ " توهُّمُ أنَّهُ لَمَّا أمر بالخشيةِ - والأمرُ مستقبل ومتعلِّقُ الأمر موصول لم يصحّ أن تكون الصِّلةُ ماضية على تقدير دلالته على العدم الذي ينافي امتثالَ الأمر، وحَسَّنَ مكانَ " لو " لفظ " إنْ " ولأجل هذا التوهُّم لم يُدْخل الزمخشري " لَوْ " على فعل مستقبل، بل أتى بفعل ماضٍ مسندٍ للموصول حالةَ الأمر فقال :" وليخش الذين صفتهم وحالهم أنهم لو شارفوا أن يتركوا ".
قال أبُو حَيَّان :" وهو الَّذي تَوهَّموه لا يلزم، إلاَّ كانت الصِّلةُ ماضيةً في المعنى واقعةً بالفعل، إذا معنى " لو تركوا من خلفهم " أي : ماتوا فتركوا من خلفهم، فلو كان كذلك للزم التَّأويلُ في " لَوْ " أن تكون بمعنى " إنْ " إذ لا يجامع الأمر بإيقاع فعل مَنْ مات بالفعل، فَإذَا كَانَ مَاضياً على تقدير فَيَصِحُّ أن يقع صِلَةً وأن يكون العاملُ في الموصول الفعل المستقبل نحو قولك : ليزرْنَا الذي لو مات أمسِ لبكيناه ".
انتهى.
وَأمَّا البيتان المتقدّمان فلا يلزمُ من صِحَّةِ جَعْلِهَا فيهما بمعنى " إنْ " أنْ تكن في الآية كذلك ؛ لأنَّا في البيتين نضطر إلى ذلك، أمَّا البيتُ الأوَّلُ فلأن جواب " لو " محذوف
٢٠٠
مدلولٌ عليه بقوله :" لا يلفك " وهو نَهْيٌ، والنًّهْيُ مستقبلٌ فلذلك كانت " لَوْ " تعليقاً في المستقبل.
وأمَّا البيت الثَّاني فلدخول ما بعدها في حَيزِ " إذا "، و " إذا " للمستقبل.
ومفعول ﴿وَلْيَخْشَ﴾ محذوفٌ أي : وليخش الله.
ويجوز أن تكون المسألةُ من باب التَّنَازُع فإنَّ ﴿وَلْيَخْشَ﴾ يطلبُ الجلالة، وكذلك ﴿فَلْيَتَّقُواّ﴾ فيكون من إعمال الثَّاني للحذف من الأوَّلِ.
قوله :﴿مِنْ خَلْفِهِمْ﴾ فيه وجهان : أظهرهما : أنَّهُ متعلِّقٌ بـ " تَرَكُوا " ظرفاً له.
والثَّاني : أنَّه مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ ؛ لأنَّه حالٌ من " ذرية " ؛ لأنَّه في الأصل صفة نكرة قُدِّمَتْ عليها فَجُعِلَتْ حالاً.
قوله :﴿ضِعَافاً﴾، أمال حمزة : ألف ﴿ضِعَافاً﴾ ولم يبال بحرف الاستعلاء لانكساره ففيه انحدارٌ فلم ينافِِ الإمالَة.
وقرأ ابن مُحَيْصِنٍ " ضُعُفاً " بضمِّ الضَادِ والعين وتنوين الفاء، والسُّلمي وعائشة " ضعفاء " بضم الضاد وفتح العين والمد، وهو جمع مَقِيسٌ في فعيل صفةً نحو : ظَرِيفٍ وَظُرَفاء وكَرِيم وكرماء، وقرئ " ضَعافَى " بالفتح والإمالة نحو : سَكَارى، وظاهر عبارةِ الزَِّمشري أنَّه قُرِئَ " ضُعافى " بضمِّ الضَّادِ مثل سُكارى فَإِنَّهُ قال :" وقُرِئَ ضُعَفَاء، وضَعافى وضُعافى نحو سَكارى وسُكارى "، فيحتمل أنْ يريد أنَّه قُرِئَ بضمّ الضَّادِ وفتحها، ويحتمل أن يُرِيدَ أنََّهُ قُرِئَ " ضَعافى " بفتح الضَّاد دونً إمَالَةٍ، و " ضَعافَى " بفتحها مع الإمالة [كَسَكارى بفتح اسلين دون إمالة، وسكارى بفتحها مع الإمالة]، والظَّاهِرُ الأوَّلُ، والغالب على الظَّنِّ أنَّهَا لم تُنْقل قراءة.
قوله :﴿خَافُواْ عَلَيْهِمْ﴾.
أمَالَ حمزةُ ألف " خَافُوا " للكسرة المقدَّرَةِ في الألف، إذ الأصل " خَوِفَ " بكسر العين ؛ بدليلِ فتحها في المُضَارعِ نحو :" يَخَافُ ".
٢٠١