وَاحِدَةً} على أنَّ " كن " تَامَّةٌ.
والوجه الآخر : أن يكون " فوق اثنتين " خبراً ثانياً لـ " كُنَّ " وَرَدَّهما عليه أبو حيّان : أمَّا الأوَّلُ : فلأنَّ " كانَ " ليْسَتْ من الأفعالِ الَّتي يكونُ فاعلُها مضمراً يُفَسِّره ما بَعْدَهُ بل هذا مختصٌّ من الأفعال بـ " نعم " و " بئس " وَمَا جَرَى مَجْرَاهُمَا وبَابُ التنازع عند إعْمَالِ الثاني، فَلِمَا تَقَّدَمَ من الاحتياج إلى هذه الصفةِ ؛ لأنَّ الخبرَ لا بُدَّ أنْ تَسْتَقِلَّ به فَائِدةُ الإسناد، وَقَدْ تَقَدَّمَ أنَّهُ لو اقتصر على قوله " فإن كن نساء " لم يُفِدْ شيئاً ؛ لأنَّهُ مَعْلُومٌ.
قوله :﴿فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ قرأ الجمهور " ثلُثا " بضمِّ اللام، وهي لغة الحجاز وبني أسد.
قال النَّحَّاسُ : من الثُّلث إلى العشر.
وقرأ الحسن ونعيمُ بن ميسرةَ " ثُلْثا " و " الثُّلْثُ " و " النِّصْفُ " و " الرُّبْع " و " الثُّمْنُ " كلُّ ذلك بإسكان الوسط.
وقال الزَّجَّاجُ : هي لغة واحدة، والسُّكونُ تخفيف.
فصل بَيَّنَ في هذه الآية ما إذا كانوا إناثاً فقط، فقال :﴿فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾، إلا أنَّه تعالى لم يَبيِّن حُكْمَ الْبِنْتَين تصريحاً، واختلفوا فيه : فعن ابن عبَّاسٍ أنَّهُ قال : الثُّلثان فرض الثلاث من البنات فصاعداً، وأمَّا فرض البنتين فهو النّصف ؛ لهذه الآية ؛ لأنَّ لفظة " إن " في اللُّغة للاشتراط، وذلك يدلُّ على أن أخذ الثُّلثي مشروطاً بكونهن فوق الاثنتين وهو الثلاث فصاعداً.
والجواب من وجوه : الأول : قوله تعالى :﴿وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ فجعل حصول النّصف مشروطاً بكونها واحدةً، وذلك ينفي حصول النّصف نصيباً للبنتين وقد جعل النّصف نصيبَ البنتين، فهذا لازم لَهُ.
الثَّاني : لا نُسَلِّمُ أنَّ كلمة " إن " تَدُلُّ على انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف، لأنَّهُ لو كان الآمر كذلك لزم التناقض بين هاتين الآيتين ؛ لأن الإجماع دَلًّ على أنَّ نَصِيبَ البنتين إمَّا النِّصْفُ، وإمَّا الثُّلثان، وبتقدير أن تكون كلمة " إن " للاشتراط وجب القول بفسادهما،
٢١٠
فثبت أنَّ القول بكلمة الاشتراط يفضي إلى الباطل فيكون باطلاً ولأنَّهُ تعالى قال :﴿وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة : ٢٨٣] وقال :﴿فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ﴾ [النساء : ١٠١] ولا يمكن أن يفيد معنى الاشتراط في هذه الآيات.
الثَّالث : أنَّ في الآية تقديماً وتأخيراً والتقدير : فإن كُنَّ نِسَاءً اثنتين فما فَوْقَهُمَا فلهن الثُّلثان.
وَأمَّا سَائِرُ الأمَّةِ، فأجمعوا على أنَّ فرض البنتين الثلثان.
قال أبو مسلم الأصفهاني : عرفناه من قوله تعالى :﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ فإذا كان نصيب الذكر مثل حظ الأنثيين، ونصيبُ الذكر هاهنا الثُّلثان وجل لا محالةَ أن يكون نصيب البنتين الثلثين.
وقال أبو بكر الرَّازي : إذا مات وخلف ابناً وبنتاً فهاهنا نصيب البنتِ الثّلث لقوله :﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ فإذا كان نصيب البنت مع الولد الذّكر هو الثُّلث، فأن يكون نصيبها مع ولد آخر أنثى هو الثلث كان أولى ؛ لأنَّ الذكر أقوى من الأنْثَى، وإذا كان حظ البنتين أزيد من حظ الواحدة، وَجَبَ أن يكون ذلك هو الثُّلثان ؛ لأنَّهُ لا قائل بالفرق، وأيضاً فلما ذكرنا من سبب النُّزول أنه عليه السلاَّم أعطى بنتي سعد بن الرَّبيع الثّلثين، ولأنَّه تعالى ذكر في هذه الآية حكم الواحدة من البنات وحكم الثلاث فما فوقهن، ولم يذكر حكم البنتين، وقال في ميراث الأخوات ﴿إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ﴾ [النساء : ١٧٦] فذكر ميراث الأخت والأختين، ولم يذكر ميراث الكثير فصار كل واحدة من هاتين الآيتين مُجْمَلاً من وجه ومبيناً من وجه، فنقول : لما كان نصيبُ الأخوات الكثيرة على ذلك ؛ لأنَّ البنت لَمَّا كانت أشد اتِّصالاً بالميت ؛ امتنع جعل الأضعف زائداً على الأقْوَى.
وأما القسم الثَّالِثُ : وهو أن يكون الأولاد ذكوراً فقط، فللواحد المنفرد أخذ المال كلّه، لقوله تعالى ﴿لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ﴾ ثم قال في البنات ﴿وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ فلزم من مجموع الآيتين أن نصيب الابن المنفرد جميع المال، وقال عليه السَّلام :" ما أبْقَتِ السِّهَامُ فللأوْلَى عَصَبةٍ ذَكَرٍ " وَإذَا أخَذَ كل ما يبقى بعد السِّهَام، وجب أن يأخذ الكلَّ إذا لم يكن سهام.
٢١١