نصيب الذَّكر مثل حظ الأنثيين في الوارث النّسبي كذلك جعل حظّ الرَّجُلِ مثل حظِّ الأنثيين في الوارث السببي فقال ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَّمْ يَكُنْ لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ﴾ وسواء كان الولد ذكراً أو أنثى، ولا فرق بين الأوَّلادِ وأولاد الأولاد.
فصل : الخلاف في غسل الزوج زوجته بعد موتها ذهب الشافعيُّ وأحمدُ إلى أنَّهُ يجوزُ لِلرَّجُلِ أن يغسل زوجته لقوله ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾ فسمَّاها زوجة بعد الموت.
قال أبو حنيفة : لا يَجُوزُ ؛ لأنَّهَا ليست زوجة ؛ لأنَّهُ لا يحلًّ وطؤها بعد الموت.
وأجيب بأنَّها لو لم تكن زوجة لكان قوله ﴿وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ﴾ مجازاً، وقد ثبت أنَّ التَّخْصيص اولى من المجاز عند التَّعارُضِ، وأيضاً فقد حَرُمَ الوطء في صورٍ كَثِيرَةٍ مع وجود الزوجيَّة كزمن الحيض والنفاس نهار رمضان، وعند الصّلوات المفروضة، والحج المفروض.
ثمَّ قال :" فلهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم فإن كان لكم ولد فلهن الثمن " وسواء كانت واحدة أو أربعاً فهم فيه سواء، وهذه الآية تدلُّ على فضل الرَّجل على المرأة لتفضيلهم في النَّصِيبِ، ولأنَّه ذكر الرِّجَالَ على سبيل المخاطبة وذكر النساء على سبيل المغايبة.
قوله :" وإن كان رجل يورثه كلالة " اضْطَرَبَتْ أقوال العلماء في هذه ولا بُدَّ قبل التعرُّض للإعراب من ذكر معنى ﴿الْكَلاَلَةِ﴾ واشتقاقها، فإنَّ الإعراب متوقف على ذلك، فتقول : اختلف الناس في معنى ﴿الْكَلاَلَةِ﴾ فقال جمهور اللغويين وغيرهم : إنَّه الميت الَّذي لا وَلَدَ لَهُ ولا والد، وهو قول عليٍّ وابن مسعودٍ.
وقيل : الَّذي لا والد له فقط، وهو قول عمر.
وقيل : الَّذي لا والد له فقط، وهو قول عمر.
وقيل : الَّذي لا ولد له فقط.
وقيل : هو من لا يرثه أبٌ ولا أم، وعلى هذه الأقوال كلِّها قالكلالةُ واقعة على الميت.
وقيل : الكَلاَلَةُ : الورثة ما عدا الأبوين والولد، قاله قُطْرب، وهو اختيار أبي بكر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وسموا بذلك ؛ لأنَّ الميِّت بذهاب طرفيه تُكَلِّلُهُ الورثة، أي : أحاطوا به
٢٢٣
من جميع نواحيه، ويُؤَيَّدُ هذا القول بأنَّ الآية نزلت في جَابِرٍ، ولم يَكُنْ له يَوْمَ نزلت أبٌ ولا ابن.
وأيضاً يقال : كلت الرحم بين فلان وفلان إذا تباعدت القرابة وحلم فلان على فلان ثمَّ كَلَّ عنه إذا تباعد، فسميت القرابةُ البعيدةُ كلالة من هذا الوجه.
وأيضاً يقال : كَلَّ الرَّجُلُ يَكِلُّ كَلاًّ وكَلاَلَةً : إذا أعيا وذهبت قوَّته، فاستعاروا هذا اللفْظ عن القرابة الحاصلة، من غير أولاد لبعدها.
وأيضاً فإنَّهُ تعالى قال ﴿قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَآ وَلَدٌ﴾ [النساء : ١٧٦] وهذه الآية تَدُلُّ على أنَّ الكلالة من لا ولد له ولا والد ؛ لأنَّهُ شرط عدم الولد وَورَّثَ الأخت والأخ، وهما لا يرِثان مع وجود الأب.
وروى جابر قال : مَرِضْتُ مَرَضاً شديداً أشرفتُ منه على الموت، فأتاني النبي ﷺ فقلتُ : يا رسول الله إنِّي رَجُلٌ لا يَرِثُنِي إلاَّ كَلاَلَة، وَأرَادَ به أنَّهُ ليس له والد ولا ولد، وهو قول سعيد بن جُبَيْرٍ وإليه ذهب أكثرُ الصَّحَابَةَ.
وروي عن عمر أيضاً أنَّهُ قال : سألت رسول الله ﷺ عن الكلالة فما أغلظ في شيء ما أغلظ لي فيها، ضرب بيده صدري وقال " يَكْفِيك آيَةُ الصَّيْفِ "، وهي الآية الأخيرة من سورة النساء سميت بذلك ؛ لأنها نزلت في الصَّيْفِ، ومات ولم يَفْهَمْهَا ولم يقل فيها شيئاً.
وقيل :﴿الْكَلاَلَةِ﴾ : المالُ الموروث، وهو قول النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ.
وقيل :﴿الْكَلاَلَةِ﴾ القرابة، وقيل : الوراثة.
فقد تلخص مما تقدم أنَّها [إمَّا] الميِّتُ الموروث أو الوارثُ، أو المال الموروثُ، أو الإرْث، أو القرابة.
وأما اشتقاقها : فقيل : هي مشتقة من تَكَلَّلَهُ الشَّيء، أي : أحاط به، وذلك أنَّهُ إذا لم يترك ولداً ولا والداً فقط انقطع طَرَفَاهُ، وهما عَمُودَا نَسَبِهِ وبقي مال الموروثُ لِمَنْ يَتَكَلَّلُهُ نَسَبُهُ، أي : يحيط به كالإكْليلِ.
ومنه " الروضة المكللة " أي : بالزَّهْرِ، وعليه قول الفرزدق :[الطويل]
٢٢٤
١٧٦٥ - وَرِثْتُمْ قَنَاةَالمَجْدِ لاَ عَنْ كَلاَلَةٍ
عَنِ ابْنَيْ مَنَافٍ عَبْدِ شَمْسٍ وَهَاشِمٍ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢٢
وقيل : اشتقاقها من " الكلال " وهو الإعْيَاء، فكأنه يصير الميراث إلى الوارث من بَعْدِ إعياء.
وقال الزَّمَخْشَرِيُّ : و " الكلالة " في الأصل : مصدر بمعنى الكلال وهو ذهاب القوَّةِ من الإعياء.
قال الأعشى :[الطويل] ١٧٦٦ - فَآلَيْتَ لاَ أرْثِي لَهَا مِنْ كَلاَلَةٍ