وقيا : هو نصبٌ على الحال على أنَّ الكَلاَلَةَ هو الميِّت على هذين الوجهين، وفي جعلها تَفْسيراً - أي : تمييزاً - نظرٌ لا يَخْفى.
وقرأ الجمهور :﴿يُورَثُ﴾ مبنيّاً للمفعولِ كما تَقَدَّمَ توجيهه.
وقرأ الحسن : يورث مبنيّاً للفاعل، ونُقِلَ عنه أيضاً، وعن أبي رَجَاءَ كذلك، إلاّ أنَّهُما شدَّدا الراء، وتوجيه القراءتين واضح مِمّا تقدَّم، وذلك أنَّهُ إنْ أُريد بالكلالة الميِّتُ، فيكون المفعولان محذوفين، و ﴿كَلاَلَةً﴾ نَصْبٌ على الحال، أي : وَإنْ كان رجلٌ يُورِثُ وَارثَهُ، أوْ أهْلَهُ مالَه في حال كَوْنِهِ كَلالَةً.
وَإِنْ أُرِيدَ بها القرابة، فتكون منصوبةً على المفعول مِنْ أجْله، والمفعولان أيضاً محذوفان على ما تَقَدَّمَ تقريره، وَإنْ أُرِيدَ بها المالُ كانت مفعولاً ثانياً، والأوَّلُ محذوفٌ أي : يُورِثُ أهْلَهُ مَالَهُ، وَإنْ أُريدَ بها الوارثُ فبالعكس، أي : يُورِثُ مالَهُ أهلَه.
قوله :﴿أَو امْرَأَةٌ﴾ عطف على ﴿رَجُلٌ﴾ وحُذِفَ منها ما أُثْبِتَ في المعطوف عليه للدلالة على ذلك، التَّقديرُ : أو امرأةٌ تُورَثُ كَلاَلَةً، وإنْ كان لا يَلْزَمُ من تقييد المعطوف عليه تقييدُ المعطوفِ ولا العكس، إلاّ أنَّهُ هو الظَّاهِرُ.
وقوله :﴿وَلَهُ أَخٌ﴾ جملة مِنْ مبتدأٍ وخبرٍ في محلِّ نصبٍ على الحال، والواو الدَّاخلة عليها واوُ الحال، وصاحبُ الحال إمَّا ﴿رَجُلٌ﴾ أي : إنْ كان ﴿يُورَثُ﴾ صفةً له، وإمَّا الضَّميرُ المستتر في ﴿يُورَثُ﴾ وَوَحَّدَ الضمير في قوله :" وله " ؛ لأنَّ العطف بـ " أو " وما ورد على خلاف ذلك أوَّلَ عند الجمهور كقوله :﴿إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا﴾ [النساء : ١٣٥].
فإن قيل : قوله تعالى :﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَو امْرَأَةٌ﴾ ثم قال ﴿وَلَهُ أَخٌ﴾ فهي عن الرَّجُلِ، وما هي عن المرأة، فما السَّبَبُ فيه ؟.
فالجوابُ : قال النُّحَاةُ : إذا تقدَّمَ متعاطفان بـ " أو " مذكر ومؤنَّث كنتَ بالخيار، بَيْنَ أنْ تراعي المتقدم أو المتأخِّرَ، فتقول :" زيدٌ أو هندُ قامَ " وَإنْ شئت :" قَامَتْ ".
وأجاب أبُو البَقَاءِ عن تذكيره بثلاثة أوجه : أحدُها : أنَّهُ يعود على الرَّجُلِ وهو مذكر مبدوء به.
والثَّالِثُ : أنَّهُ يعود على الميِّت، أو الموروثِ لِتَقَدُّمِ ما يدلُّ عليه، والضَّمير في قوله :﴿فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا﴾ فيه وجهان :
٢٢٧
أحدُهُمَا : أنَّهُ يعود على الأخ والأخت.
والثَّانِي : أنَّهُ يعودُ على الرَّجُلِ، وعلى أخيه وأخته، إذا أُريدُ بالرَّجُلِ في قوله :﴿وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً﴾ أنَّهُ وارثٌ لا موروثٌ، كما تَقَدَّمَتْ حكايته في قول الزَّمَخْشَرِيِّ.
قال الزَّمخشريُّ - بعد ما حكيناه عنه - :" فإن قلتَ : فالضَّمِيرُ في قوله :" فلكل واحد منهما " إلى مَنْ يرجعُ حينئذٍ ؟.
قلت : على الرَّجُلِ، وعلى أخيه، أو أخته، وعلى الأوَّل إليهما.
فإن قُلْتَ : إذا رجع الضَّمِيرُ إليهما أفاد استواءَهُمَا في حيازةِ السُّدُسِ من غير مُفَاضَلَةِ الذَّكر للأنثى، فهلْ تبقى هذ الفائدةُ قائمةً في هذا الوجه ؟.
قلتُ : نَعَمْ، لأنك إذا قلتَ : السُّدس له أو لواحد مِن الأخِ أو الأخت على التخيير، فقد سَوَّيْتَ بين الذَّكر والأنثى ".
انتهى.
وأجمع المفسِّرونَ على أنَّ المراد بالأخ والأخت هاهنا الإخوة من الأمِّ ؛ لأنَّ ما في آخر السُّورة يدلُّ على ذلك، وهو كون للأخت النّصف، وللأختين الثُّلثان وللإخوة الذُّكور والإناث للذَّكَر مثلُ حظِّ الأنثيين، ولقراءة أبِي سَعِيدٍ.
وقرأ أبيٌّ " أخ أو أخت من الأم ".
وقرأ سعد بن أبي وقاص " من أم " بغير أداة التَّعريف.
قوله :﴿فَإِن كَانُوا ااْ﴾ الواو ضمير الإخوة من الأمِّ المدلول عليهم بقوله :﴿أَخٌ أَوْ أُخْتٌ﴾ والمرادُ الذُّكورُ والإناث، وأتى بضمير الذُّكور في قوله :﴿كَانُوا ااْ﴾ وقوله :﴿خَلْفِهِمْ﴾ تغليباً للمذكَّر على المؤنَّثِ، و " ذلك " إشارةٌ إلى الواحد، أي : أكثر من الواحد، يعني : فإنْ كان مَنْ يَرِثُ زائداً على الواحد ؛ لأنَّهُ لا يَصِحُّ أن يقال :" هذا أكثرُ من واحد " بهذا المعنى لتنافي معنى كثير وواحد، وإلاّ فالواحدُ لا كثرة فيه، وتقدَّمَ إعراب " من بعد وصية يوصى بها ".
فصل : في أثر عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال أبو بكر الصّديق - رضي الله عنه - في خطبته : ألا إنَّ الآيةَ التي أنزل اللّهُ - تعالى - في أوَّل سورة النِّسَاءِ في بيان الفرائضِ أنزلها في الوَلَدِ، والوالد والأمِّ، والآية
٢٢٨


الصفحة التالية
Icon