لغيره معنىً، نحو : مررت برجُلٍ قائمةٍ أمُّه، وبامرأة حَسَنٍ غُلامُها، فـ " قائمة " وحسن وإن كانا جَارِيينِ على ما قبلهما لَفْظاً فهما لِما بَعْدَهما معنىً، وأجازَ ذلك في الآية الكريمة الزَّجَّاجُ وتبعه التبرِيزيُّ، إلاَّ أنَّ الصِّفة إذا جَرَتْ على غير مَنْ هي له وجب إبرازُ الضَّمير مطلقاً على مذهب البصريين ألْبسَ أو لم يُلْبَسْ.
وَأمَّا الكوفيين فيفصِّلون، فيقولون : إذا جرت الصِّفة على غير مَنْ هي له، فإنْ ألْبسَ وَجَبَ إبرازُ الضمير، كما هو مذهبُ البصريين ؛ نحو :" زيدٌ عمرو ضاربُه هو "، إذا كان الضربُ واقعاً من زيد على عمرو، فإن لم يُلْبسْ لم يَجِبِ الإبرازُ، نحو :" زيدٌ هندُ ضاربُها "، إذا تَقَرَّرَ هذا فَمذهَبُ الزَّجَّاجِ في الآية إنَّمَا يتمشَّى على رأي الكوفيين، وهو مذهب حَسَنٌ.
واستدلَّ مَنْ نَصَرَ مذهب الكوفيين بالسَّمَاعِ، فمنه قراءة مَنْ قرأ ﴿إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب : ٥٣] بجر " غير " مع عدم بروز الضمير، ولو أبْرَزَهُ لقال : غير ناظرين إناه أنتم.
ومنه قول الآخر :[البسيط] ١٧٦٧ - قَوْمِي ذُرَا المَجْدِ بَانُوهَا وَقَدْ عَلِمَتْ
بِكُنْهِ ذَلِكَ عَدْنَانٌ وقَحْطَانُ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٣٢
ولم يقل : بَانُوهَا هُمْ.
وقد خَرَّج بعضهمُ البيت على حذف مبتدأ، تقديره : هم بتنوها فـ " قومي " مبتدأ أوَّلٌ، و " ذُرا " مبتدأ ثان، و " هُمْ مبتدأ ثالث، و " بانوها " خبر الثَّالث والثَّالِثُ وخبره خبر الثَّاني والثاني وخبره خبر الأوَّل.
وقد منع الزمخشريُّ كون " خَالِدينَ " و " خَالِداً " صفةٌ لـ " جَنَّاتِ " و " ناراً " ؟ قلت : لا لأنَّهما جَرَيَا على غير مَنْ هُمَا له، فلا بُدَّ مِنَ الضَّميرِ في قولك :" خالدين هم فيها "، و " خالداً هو فيها ".
ومنع أبُو البَقَاءِ ذلك أيضاً بعدم إبراز الضمير لكن مع " خالداً " ولم يتعرض لذلك مع " خالدين " ولا فرق بَيْنَهُما، ثم حكى جواز ذلك عن الكوفيين، وهذا المنع على مذهب البصريين كما تقدَّمَ.
وقرأ نافعٌ وابنُ عَامِرٍ هنا " نُدْخِلْهُ " في الموضعين، وفي سورة الفتح [الآية ١٧]
٢٣٣
وفي سورة التغابن [الآية ٩] والطلاق [الآية ١١] بنون العظمة، والباقون بالياء، والضميرُ للَّه تعالى.
فإن قيل : كيف جمع ﴿خَالِدِينَ﴾ في الطائعين، وأفرد خالداً في العاصين ؟.
فالجواب : قالوا : لأنَّ أهلَ الطَّاعة أهلُ الشَّفاعة، فلمَّا كانوا يَدْخُلون هو والمشفوُعُ لهم ناشب ذلك الجمع، والعاصي لا يَدْخُلُ به غيرهُ النارَ، فناسَبَ ذلك الإفرادُ.
قوله :﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ هذه الجملةُ في محل نصبِ صفةٍ لـ " جنات "، وقد تقدم مراراً أن المنصوب بعد " دخل " من الظروف هل نَصْبُهُ نصبُ الظُّروف، أو نَصْبُ المفعول به ؟ الأوَّل : قول الجمهور.
والثاني : قول الأخفش، فكذلك ﴿جَنَّاتٍ﴾، و ﴿نَاراً﴾.
فصل قالت المعتزلةُ : هذه الآية دلَّت على أنَّ العصاة من أهل الصَّلاة يخلدون في النّار ؛ لأنَّ قوله ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ﴾ إمَّا أن يختص بمن تعدَّى الحدود المتقدمة، وهي حدود المواريث أو يدخل فيها ذلك وغيره، وعلى هذا يلزمُ دخول من تَعَدَّى في المواريث في هذا الوعيد، وذلك عام فيمن تَعدَّى، وهو مِنْ أهل الصَّلاة، أو ليس من أهل الصًّلاة فدلّت هذه الآية على القطع بالوعيد وعلى الخلود، ولا يقال على هذا الوعيد مختص بمن تَعَدَّى حدودَ اللَّهِ، وذلك لا يتحقَّق إلاَّ في حقِّ الكافر، فإنَّهُ هو الَّذي تعدّى جميعَ حدودَ اللَّه، فَإنَّا نقولُ : هذا مدفوع من وجهين : الأوَّلُ : أنَّا لو حملنا هذه الآية على تعدي جميع حدود اللَّه خرجت الآية عن الفائدة، لأنَّ اللَّه تعالى نهى عن اليهوديَّةِ والنَّصرانية، والمجوسيَّة، فتعدي جميع هذه النَّواهي وتركها إنما يكون بأن يأتي اليهودية والنصرانية والمجوسية معاً، وذلك محال، فثبت أن تعدي جميع حدود اللَّه محالٌ، وإذا كان كذلك علمنا أنَّ المراد منه أي حدٍّ كان من حدود اللَّه.
الثَّاني : أنَّ هذه الآية مذكورة عقيب قسمة المواريث فيكونُ المراد فيها التّعدي في الحدود المذكورة في قسمة الموارث.
وأجيب بأنَّا أجمعنا على أنَّ هذا الوعيد مختصٌّ بعدم التَّوْبَةِ ؛ لأنَّ الدَّليل دَلَّ على أنَّهُ إذا تابَ لم يبق هذا الوعيد فكذلك يجوز أن يكون مشروطاً بعدم العَفْوِ، فإنَّ بتقدير
٢٣٤