وقال قومٌ : إنَما كان الشهود فالزِنا أربعة ليترتب شاهدان على كل واحد من الزانيين كسائر الحقوق ؛ إذْ هو حقٌّ يؤخذ من كلِّ واحد منهما، وهذا ضعيف ؛ فإنَّ اليمين تدخل من الأموال والَّلوْثُ في القسامة ولا يدخلُ لواحد منهما هنا.
فصل قال جمهورُ المفسرين : المراد من هذه الآية أن المرأةَ إذا أتَت الزِّنَا فإن شَهِدَ عَلَيْهَا أربعةُ رجال أحرار عدول أنَّها زنت ؟ أمْسِكَتْ في بيت محبوسة، إلى أن تموت أو يجعل اللهُ لها سبيلاً، وقال أبُو مُسْلِمٍ : المرادُ من هذه الفاحشة السَّحاقات وَحَدُّهن الحبس إلى الموتِ، والمرادُ من قوله :﴿وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ﴾ [النساء : ١٦] أهل اللواطُ وَحَدُّها الأذى بالقول والفعل، والمراد بالآية المذكورة في سورة النُّورِ : الزنا بين الرَّجل والمرأة وَحَده في البكر الجلد، وفي المحصن الرَّجم، ويَدُلُّ على ذلك وجوه : أحدها : أن قوله :﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمْ﴾ مخصوص بالنّسوان وقوله :﴿وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ﴾ [النساء : ١٦] مَخْصُوصٌ بالرِّجال ؛ لأنَّ قوله " اللذان " تثنية المذكر.
فإنْ قيل : لم لا يجوزُ أن يكونَ المراد من قوله :﴿وَاللَّذَانَ﴾ الذّكر والأنثى إلاَّ أنَّه غلب لفظ الذَّكر.
فالجوابُ : لو كان كذلك لما أفرد ذكر النِّساء من قبلـ فلما أفرد ذكرهن ثم ذكر بعده قوله :﴿وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ﴾ [النساء : ١٦] سقط هذا الاحتمال.
وثانيها : أنَّ على هذا التقدير لا يحتاج إلى التزام النسخ في شيء من الآيات بل يكون حكم كلِّ واحد مهما باقياً مقرراً وعلى ما ذكر ثم يلزمُ النسخ في هاتين الآيتين والنَّسخ خلافُ الأصل.
ثالثها : أنَّ على التقدير الَّذي ذكرتم يكون قوله :﴿وَاللاَّتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ﴾ في الزنا، وقوله :﴿وَاللَّذَانَ يَأْتِيَانِهَا مِنكُمْ﴾ [النساء : ١٦] في الزِّنَا أيضتً فيفضي إلى تكرار الشيء الواحد في الموضع الواجد مرتين، وإنَّهُ قبيح، وعلى قولنا لا يفضي إلى ذلك فكان أولى.
رابعها : أنَّ القائلين بأنَّ هذه الآية نزلت في الزِّنَ فسروا قوله :﴿أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً﴾ بالجلد والتغريب والرّجم، وهذا لا يصحُّ ؛ لأنَّ هذه الأشياء تكون عليهنّ لا لهُنَّ، قال تعالى :﴿لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ [البقرة : ٢٨٦] وأمَّا نحن فنفسِّرُ ذلك بتسهيل الله لها قضاء الشَّهوة بطريق النِّكاح.
٢٤٠
قال أبُو مٌسْلِمٍ : يَدُلُّ على صِحَّةِ ما ذكرنا قوله ﷺ :" إذَا أتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ، وَإذَا أتَت الْمَرْأةُ الْمَرْأةَ فَهُمَا زَانِيَتَان ".
واحتجُّوا على إبطال كلام أبي مسلم بوجوه : الأوَّلُ : أنَّ هذا قول لم يقله أحدٌ من المفسّرين المتقدّمين.
الثَّاني : أنَّه روي في الحديث أنَّهُ عليه السَّلام قال :" قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً الثَّيِّبُ تُرْجَمُ وَالْبِكْرُ تُجْلَدُ " وهذا يدلُّ على أنَّ هذه الآية نازلة في حقِّ الزُّنَاةِ.
الثَّالث : أنّ الصحابة اختلفوا في حكم اللِّواط، ولم يتمسّك أحد منهم بهذه الآية، فعدم تمسكهم بها مع شدَّةِ احتياجهم إلى نَصٍّ يدلُّ على هذا الحكم من أقوى الدَّلائل على أنَّ هذه الآية ليست في اللواطة.
وأجاب أبو مسلم عن الأوَّل بأنَّ هذا الإجماع ممنوع، فلقد قاتل بهذا القول مجاهدق، وهو من أكابر المفسرين، وقد ثبت في أصول الفقه أنَّ استنباط تأويل جديد في الآية لم يذكره المتقدمون جائز.
والجوابُ عن الثَّاني أنَّ هذا يفضي إلى نسخ القرآن بخبر الوَاحِدِ، وإنَّهُ غير جائز.
وعن الثَّالِثِ أن مطلوب الصَّحابة أنَّهُ هل يُقام الحدُّ على اللوطي وليس في هذه الآية دلالة على نفي ولا إثبات فلهذا لم يرجعوا إليها.
فصل المرادُ من قوله :﴿مِن نِّسَآئِكُمْ﴾ أي : زوجاتكم لقوله :﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ﴾ [المجادلة : ٣] وقوله :﴿فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء : ٢٣] [من نسائكم] وقيل : أي : من الثيب.
وقوله :" فأمسكوهن " أي احبسوهنّ في بيوتكم، والحكمة فيه أنَّ المرأة إنَّمَا تقع في الزِّنَا عند الخروج والبروز، فإذا حُبِسَتْ في البيت لم تقدر على الزِّنَا، وتعتاد العفاف عن الزّنا.
قل عبادة بن الصّامت والحسن ومجاهد : كان هذا في ابتداء الإسلام حتى نسخ بالإذى الّذي بعده، ثمَّ نسخ ذلك بالرّجم في الثيّب.
٢٤١