هي التَّامَّة، وفاعلها هو صاحب الحالن ولا يجوز أن يكون ﴿عَلَى اللَّهِ﴾ حالاً من الضَّمير المستتر في ﴿لِلَّذِينَ﴾ والعامل فيها ﴿لِلَّذِينَ﴾ لأنَّهُ عاملٌ معنويٌّ، والحال لا تتقدَّمُ على عاملها المعنوي، هذا ما قاله أبُو البقَاءِ وَنَظَّر هذه المسألة بقولهم :" هذا بُسْراً أطْيَبُ منه رُطَباً " يعني : أنَّ التَّقدير : إذا كان بُسْراً أطيبُ منه إذا كان رُطباً.
وفي هذه المسألة أقْوَالٌ كثيرة مضطربة لا يحتملها هذا الكتاب وقدر أبو حيان مضافين حُذفا من المبتدأ والخبر، فقال : التَّقدير : إنَّمَا قَبُولُ التوبة مترتب على [فضل] اللهِ فـ " على " باقية على بابها يعني من الاستعلاء قوله :﴿بِجَهَالَةٍ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنْ يتعلّق بمحذوف على أنَّهُ حال من فاعل ﴿يَعْمَلُونَ﴾، ومعناها المصاحبة أي : يعملون السُّوء متلبسين بجهالةٍ، أي : مصاحبين لها، ويجوز أن يكون حالاً من المفعول، أي : ملتبساً بجهالة، وفيه بُعْدٌ وتَجَوُّزٌ.
والثاني : أن يتعلق بـ ﴿يَعْمَلُونَ﴾ على أنَّها باء السّببية.
قال أبُو حيَّان : أي الحامل لهم على عمل السُّوء هو الجهالة، إذْ لو كانوا عالمين بما يترتَّب على المعصية متذكرين له حال عملها لم يُقْدِمُوا عليها كقوله :" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن " لأنَّ العقل حينئذ يكون مغلوباً أو مَسْلُوباً.
فصل لما ذكر في الآية الأولى أن المرتكبين للفاحشة إذا تابا وأصلحا زال عنهما الإيذاء،
٢٤٨
وأخبر على الإطلاق أنّه توابٌ رحيمٌ، ذكر هنا وقت التّوبةة وشرطها بشرطين : أحدهما : قوله ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّواءَ بِجَهَالَةٍ﴾ وفيه إشكالان : الإشكال الأوَّلُ : أن من عمل ذنباً ولم يعلم أنَّهُ ذنب لم يستحق عقاباً ؛ لأنَّ الخطأ مرفوع عن الأمَّةِ، فعلى هذا الَّذين يعملون السُّوء بجهالة لا حاجة بهم إلى التَّوبة.
الإشكال الثَّاني : أن كلمة " إنَّمَا " للحصر، فظاهره يقتضي أن مَنْ أقدم على السوء مع العلم بكونه سوءاً لا يقبل توبته، وذلك باطل بالإجماع.
فالجواب عن الأوَّلِ أنَّ اليهوديَّ اختار اليهوديَّة وهو لا يعلم كونها ذنباً مع أنَّهُ يستحقُّ العقاب عليها.
والجوابُ عن الثَّاني : أنَّ من أتى معصية مع الجهل بكونها معصية يكون حاله أخَفُّ ممَّنْ أتى بها مع العلم بكونها معصية، فلا جرم خَصَّ الأوَّل بوجوب قبول التّوبة وجوباً على سبيل الوعد والكرم، وأمَّا القسم الثَّاني فلمّا كان ذنبهم أغلظ لا جرم لم يذكر فيهم هذا التّأكيد في قبول التّوبة فتكون هذه الآية دالّة من هذا الوجه على أن قبول التّوبة غير واجب على اللهِ تعالى.
ومعنى الآية يحتمل وجهين : الأوَّلُ : أن قوله :﴿عَلَى اللَّهِ﴾ إعلام، فَإنَّهُ يجب على الله قبولها لزوم الكرم والفضل والإحسان وإخبار بأنَّه سيفعل ذلك.
والثَّاني : إنَّما الهداية إلى التَّوْبَةِ والإعانة عليها على اللهِ في حقِّ من أتى بالذَّنب على سبيل الجهالة، ثمَّ تاب قريباً، وترك الإصرار، وأتى بالاستغفار.
فصل قال الحسن : معنى الآية : التّوبة التي يقبلها اللهُ، فيكون " على " بمعنى عند، وقيل : من الله ﴿لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّواءَ بِجَهَالَةٍ﴾.
قال قتادةُ : أجمع أصحاب رسول الله ﷺ أنَّ ما عُصِيَ الله به فهو جهالة عمداً كان أو لم يكن، ولك من عصى الله فهو جاهل.
قال تعالى إخباراً عن يوسف - عليه السلام - :﴿أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ [فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ﴾ [يوسف : ٣٣، ٣٤].
٢٤٩