قوله تعالى :﴿وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ إلى قوله :[سبيلا].
قال الأشعث بن سَوّار توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه امرأة أبيه فقالت إنِّي أعدّك ولداً وأنت من صالحي قومك، ولكني آتي رسول الله ﷺ استأمره، فأتته فأخبرته فأنزل الله هذه الآية.
قال ابن عباس وجمهور المفسرين : كان أهل الجاهلية يتزوجون بأزواج آبائهم فنهوا بهذه الآية عن [ذلك.
قوله " ما نكح " في " ما " هذه قولان] : أحدهما : أنها موصولة اسمية واقعة على انواع من يعقل كما تقدم في قوله ﴿مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ﴾ [النساء : ٣] هذا عند من لا يجيز وقوعها على آحاد العقلاء فأما من يجيز ذلك فيقول : إنها واقعة موقع من ف " ما " مفعول به بقوله " ولا تنكحوا " والتقدير : ولا تتزوّجُوا من تزوج آباؤكم.
٢٧٠
والثاني : أنها مصدرية أي : ولا تنكحوا مثل نكاح آبائكم الّذي كان من الجاهليَّة وهو النكاح الفاسد كنكاح الشغار وغيره، واختار هذا القول جماعة وغيره، واختار هذا القول جماعة منهم ابن جرير الطبري وقال : ولو كان معناه : ولا تنكحوا النساء التي نكح آباؤكم لوجب أن يكون موضع " ما " " من " انتهى.
وتبين كونه حراماً، أو فاسداً من قوله ﴿إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً﴾.
قوله ﴿مِّنَ النِّسَآء﴾ تقدم نظيره أول السورة.
فصل [حكم نكاح مزنية الأب] قال أبو حنيفة وأحمد : يحرم على الرجل ان يتزوج بمزنية أبيه وقال الشافعي : لا يحرم، واحتج الأولون بهذه الآية، لأنه تعالى نهى الرجل أن ينكح منكوحة أبيه، والنكاح عبارة عن الوطء لوجوه : أحدها : قوله تعالى ﴿فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾ [البقرة : ٢٣٠] فأضاف النّكاح إلى الزّوج، والنّكاح المضاف إلى الزّوج هو الوطء لا العقد ؛ لأن الإنسان لا يتزوج من [زوجة] نفسه ؛ لأن ذلك في تحصيل الحاصل ؛ ولأنَّهُ لو كان المراد به في هذه الآية العقد لحصل التحليل بمجرد العقد وحيث لم يحصل علمنا أن المراد من النكاح في هذه الآية ليس هو العقد، فتعين أن يكون هو الوطء ؛ لأنه لا قائل بالفرق.
وثانيها : قوله ﴿وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ﴾ [النساء : ٦] والمراد به الوطء لا العقد ؛ لأن أهلية العقد كانت حاصلة.
وثالثها : قوله :﴿الزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً﴾ ولو كان المراد العقد لزم الكذب.
ورابعها : قوله عليه [الصلاة] والسلام " ناكح اليد ملعون " وليس المراد العقد فثبت بهذه الوجوه أنَّ النكاح عبارة عن الوطء فلزم أن يكون المراد من قوله " ما نكح آباؤكم " أي : وطئن آباؤكم، فيدخل فيه المنكوحة والمَزْنِيُّ بها.
فإن قيل قد ورد أيضاً لفظ " النكاح " بمعنى العقد، قال تعالى ﴿وَأَنْكِحُواْ الأَيَامَى مِنْكُمْ﴾ [النور : ٣٢] ﴿فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ﴾ [النساء : ٣].
إذا نكحتم المؤمنات.
وقال عليه [الصلاة] والسلام :" ولدت من نكاح ولم أولد من سفاح " فلم كان حمل اللفظ على الوطء أوْلَى من حمله على العقد ؟
٢٧١


الصفحة التالية
Icon