فصل :[حرمة الأمهات والأخوات من الرضاعة] نُصَّ في هذه الآية على حرمة الأمَّهَاتِ والأخوات من الرِّضاعة كما يحرمن من النَّسَبِ، وقد نبَّه الله تعالى في الآية على ذلك بتسميته المرضعة أماً والمرضعة أختاً فأجرى الرّضاع مجرى النَّسَبِ، [وذلك لأنَّهُ تعالى حرم بسبب النّسب] سبعاً اثنان بطريق الولادةِ وهما الأمهات والبنات، وخمسٌ بطريق الأخوة ؛ وهنَّ : الأخواتُ والعماتُ والخالاتُ وبنات الأخ، وبنات الأخت، ثمَّ لما شرع في أحوال الرِّضاعَةِ ذكر من كل واحد من هذين القسمين صورة واحدة تنبيهاً بها على الباقي، فذكر من قسم قرابة الولادة الأمَّهات، ومن قسم قرابة الأخوة الأخوات، ونَبَّه بذكر هذين المثالين من هذين القسمين على أنَّ الحال في باب الرضاع، كما هو في باب النَّسَبِ، ثُمَّ إنّهُ عليه الصلاة والسلام أكَّدَ ذلك البيان بقوله " يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب ".
فصل :[من هي الأم من الرضاع ؟ ] الأمُّ من الرّضَاعِ هي المرضعةُ، وكذلك كلُّ امرأةٍ انتسبت إليها بالأمومة إمّا من جهة النَّسَبِ، أو من جهة الرضاع، وكذلك القَوْلُ في الأب وَإذَا عرفت الأم والأب عرفت البنت أيضاً بذلك الطريق.
وَأمَّا الأخوات فالأخت للأبوين هي الصغيرة الأجنبية التي أرضعتها أمك بلبن أبيك سواءً أرضعتها معك، أو مع ولد قبلك أو بعدك، والأخت للأب : هي الَّتي أرضعتها زوجة أبيك بلبن أبيكَ، والأخت للأمِّ : هي التي أرضعتها أمك بلبن رجل آخر، وكذلك تعرف العمَّات والخالات، وبنات الأخت.
فصل :[شرطا حرمة الرضاع] إنَّمَا تَثْبُتُ حرمة الرضاعة بشرطين : أحدهُمَا : أن يكون قبل استكمال المولود حولين، لقوله تعالى ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ﴾ [البقرة : ٢٣٣] وقالت أمُّ سلمة : قال رسول اللَّه ﷺ " لا يحرم من الْعَظْمَ وأنْبَتَ اللَّحْمَ " وَإنَّمَا يكون هذا في حال الصغر [لا في حال الكبر].
وعند أبي حَنِيفَةَ مدة الرضاع ثلاثون شهراً ؛ لقوله تعالى ﴿وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْر﴾ [الأحقاف : ١٥] [وهو عند الأكثرين لأقلِّ هذه الحمل وأكثر مدة الرضاع، وأقَلُّ مدة الحمل ستة أشهر].
٢٩٠
الشَّرط الثَّاني : أن توجد خمس رضعات متفرِّقات، يُرْوَى ذلك عن عائشة، وبه قال عبدُ اللَّه بنُ الزُّبَيْرِ ؛ وإلَيْهِ ذهب الشَّافِعِيُّ وأحْمَدُ، قالت عائِشَةُ رضي الله عنها : أنزل في القرآن عشر رضعات يحرمن فنسخ من ذلك خمس، وصار إلى خمس رضعات معلوماتٍ يحرمن وتوفي رسول الله ﷺ والأمر على ذلك.
وقال عليه الصلاة والسلام " لا تُحَرِّمُ المَصَّةُ مِنَ الرِّضَاعِ وَلاَ المَصَّتان " [وذهب ابن عباس وابن عمر إلى أن قليله وكثيره محرم، وبه قال سعيد بن المسيب] وإليه ذهب سفيانُ الثَّوْرِيُّ ومالكٌ والأوزاعيُّ، وعبدُ اللَّهِ بنُ المباركِ وأصحابُ الرأي.
قوله تعالى :﴿وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ﴾ فيدخل فيه أمها الأصلية وجميع جدّاتها من قبل الأب والأم كما بينا في النَّسب ومذهب أكثر الصحابة والتَّابعين أنَّ أمَّ الزَّوْجَةِ تحرم على زوج بنتها سواء دخل بالبنت أو لم يدخل، وذهبَ بعضُ الصَّحَابَةِ إلى أنَّ أمَّ المرأةِ لا تحرم إلا بالدُّخول بالبنت، كما أنَّ الرَّبيبة لا تحرمُ إلاَّ بالدُّخول بأمِّهَا، وهو قول علي وزيد وابن عمر وابن الزبير وجابر، وأظهر الروايات عن ابن عبَّاسٍ والسَّبَبُ في هذه الاستعارة أن مَنْ ربي طفلاً أجلسه في حجره فصار الحجرُ عبارة عن التَّربية كما يقالُ : فلان في حضَانّةِ فلان، وأصله من الحضْنِ : الَّذي هو الإبْطُ، وقال أبُو عُبَيْدَةَ :﴿فِي حُجُورِكُمْ﴾ أي : في بيوتكم.
قوله :﴿وَرَبَائِبُكُمُ﴾ الرَّبَائب : جمع ربيبة، وهي : بنتُ الزوج أو الزوجة، والمذكر : رَبِيبٌ.
سميا بذلك ؛ لأن أحد الزوجين يُرَبّيه كما يربّي ابنه.
قوله :﴿اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ﴾ لا مفهوم له لخروجه مخرج الغالب، والحجور : جمع حجر بفتح الخاء، وكسرها، وهو مُقَدَّمُ ثوب الإنسان ثمَّ استعملت اللَّفْظَةُ في الحِفْظِ والسَّتْرِ.
وروى قَتَادَة عن سعيد بْنِ المُسَيَّبِ أنَّ زيد بن ثابت قال : إذا طلق الرَّجُلُ امرأتَهُ قبل الدُّخُولِ [بها] تزوَّج بأمِّها، وإذا ماتت لم يتزوّج بأمِّهَا، والفرقُ بينهما أنَّ الطَّلاق قبل الدُّخول لم يتعلق به شيء ؛ لأنَّهُ لا يجب عليها عدّة، والموتُ في حكم الدُّخول في وجوب العدة.
قوله :﴿مِّن نِّسَآئِكُمُ﴾ فيه وجهان : أحدهما : أنَّهُ حال من ربائبكم تقديره : وربائبكم كائنات من نسائكم.
٢٩١