وذهب ابن عباس إلى أنَّ الآية محكمة، ويرخّص في نكاح [المُتْعَةِ].
روى أبو نَضْرَةَ قال : سألتُ ابْن عَبَّاسٍ عن متعة النّساءِ فقال : أما تقرأ سورة النِّساء :﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ إلى أجل مسمى ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ قلت : لا أقرؤها هكذا، فقال ابن عبَّاس : هكذا أنزل اللَّهُ ثلاث مرات، وروي أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه السلام طول العزوبة فقال " اسْتَمْتِعُوا مِنْ هَذِه النِّسَاءِ " وهذا القول مروي عن ابن عبَّاسٍ وعمران بن الحُصَيْنِ، أمَّا ابن عبَّاسٍ فعنه ثلاث روايات أحدها أنَّهَا مباحة مطلقاً، وقال عِمَارة سألت ابن عباس عن المتعة أسِفَاحٌ هي أم نِكَاحٌ قال : لا سِفَاحَ ولا نِكَاحَ، قلتُ : فما هي قال : مُتْعَةٌ كما قال اللَّهُ تعالى قلت : هل لها عِدَّةٌ ؟ قال : نعم حيضةٌ، قلت : هل يتوارثان، قال : لا.
الثانية أنَّ النَّاسَ لما ذكرُوا الأسفار في المتعة، قال ابن عبَّاس : قَاتَلهُمُ اللَّهُ ما أفتيت بإباحتها على الإطلاق، لكني قلت إنَّها تحلُّ للمضطر كما تحلُّ الميتةُ، والدَّم، ولحمُ الخنزير له.
الثَّالِثَةُ : أنَّهُ أقرَّ بأنَّهَا صارت مَنْسُوخَةً.
روى عَطَاءٌ الخُراسَانِيُّ : عن ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ قال صارت هذه الآيةُ منسوخة بقوله تعالى ﴿يا أيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَآءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ [الطلاق : ١] وروى أيضاً أنَّهُ قال عند موته : اللَّهُمَّ إني أتوبُ إليك من قولي في المتعة والصرف، وأمَّا عمرانُ بْنُ الحُصَيْنِ فإنَّهُ قال نزلت هذه المتعة في كتاب اللَّهِ ولم ينزل بعدها آية تنسخها، وأمرنا بها رسولُ اللَّهِ ﷺ وتمتعنا بها، ومات ولم ينهنا عنه، ثمَّ قال رجلٌ برأيه ما شاء، وروى مُحَمِّدُ بْنُ جريرٍ الطبري في تفسيره عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنَّهُ قال : لولا أنَّ عمر نهى عن المتعة [ما زنا إلا شقي.
والجمهور على تحريم نكاح المتعة لما روى سالم بن عبد الله بن عمر أنَّ عمرُ بْنُ الخَطَّاب - رضي الله عنه - قال في خطبته ما بال رجال ينكحون هذه المتعة] وقد نهى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
٣١٠
عنها لا أجِدُ أحداً نكحها إلاَّ رجمتُهُ بالحجارة، وقال : هذه المُتْعة النِّكَاحُ والطَّلاق والعدّةُ والميراث فذكر هذا الكلام في مَجْمَعٍ من الصَّحَابَةِ، ولم ينكروا عليه، فالحالُ لا يخلو من أن يكونُوا عالمين بحرمة المُتْعةِ فَسَكتُوا، أو كانوا عالمين بإباحتها فسكتوا مداهنة، أو ما عرفوا حكمها فسكتوا تَوَقُّفاً.
والأوَّلُ : هو المطلوب.
والثَّاني : يُوجبُ تكفيرَ عُمَرَ وتكفيرَ الصَّحابةِ، لأنَّ من علم أنَّ رسول اللَّهِ ﷺ حكم بإباحة المُتْعَةِ ثمَّ قال : إنَّهَا محرَّمة من غير نسخ لها فهو كافر، ومن صدقه مع علمه بكونه مخطئاً كافر، وهذا يقتضي تَكْفِير الأمَّةِ.
وإن لم يكونوا عالمين بالإباحَةِ ولا بالحرمة، فهذا أيضاً باطلٌ ؛ لأنَّ كون المتعة مباحة يقتضي كونها كالنِّكَاح، واحتياج النَّاس إلى معرفة حكمها عام في حقِّ الكُلِّ، ومثل هذا يمتنع خفاؤه بل يجبُ أن يُشْتَهَر العلم بحكمه كاشتهار علمهم بحلِّ النِّكاح، ولما بطل هذان القسمان ثَبَتَ أنَّ الصَّحَابَةَ إنَّمَا سَكَتُوا عن الإنكار على عُمَرَ لعلمهم بأنَّ المتعة صارت منسوخَةً في الإسْلاَمِ.
فإن قيل : الرَّجْمُ غير جائز مع أنَّ الصَّحابةَ ما أنكروا عليه حين ذكر ذلك، ولما سكتَ ابْنَ عباسٍ عنه في مسألة المُبَاهَلَة ثم ذكرها بعد موت عمر وقال : من شاء باهلته فقيل له : هلاّ قلت هذا في زمن عُمَرَ، فقال : هِبْتُه، وكان أمْرَأً مُهاباً.
فالجوابُ لعلَّهُ ذكر ذلك على سبيل الزَّجْرِ والتهديدِ والسِّيَاسة، ومثلُ هذا جائز [للإمام] عند المصلحةَ كقوله عليه السَّلامُ " مَنْ مَنَعَ الزَّكاةَ فإنَّا نَأخُذُهَا مِنْهُ وَشَطْر مالِهِ " وأخذ شَطْرِ المالِ غير جائز لكنَّه قال ذلك للزَّجر فكذا ههنا، وأمَّا سكوت ابن عباس، فكَانَ سكوت رجل واحد في خلائق عظيمة، فلا يُشْبِهُ سكوت الخَلاَئِقِ العظيمة عند رجل واحد، ويدلُّ على التَّحريم حديثُ الربيعِ بْنِ سبرة، وحديث عَلِيٍّ المذكوران أوَّل الفَصْلِ قال الرَّبيعُ بْنُ سُليْمَانَ : سمعت الشَّافِعِيِّ يقول : لا أعلم في الإسْلاَمِ شيئاً أحِلَّ ثم حرم غير المُتْعَةِ.
واحتجَّ من قال بإباحَةِ المتعة بوجوهٍ : أحدُهَا قراءة أبيِّ بنِ كَعْبٍ وابن عباس " فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى
٣١١


الصفحة التالية
Icon