قوله تعالى : قوله تعالى ﴿وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ﴾ الآية " من " شرطية وهو الظَّاهِرُ، ويجوز أن تكون موصولة، وقوله ﴿فَمِنْ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم﴾ إما جواب الشَّرط، وإمَّا خبر الموصول، وشروط دخول الفاء في الخبر موجودة و ﴿مِنكُمْ﴾ في محلِّ نصب على الحال من فاعل ﴿يَسْتَطِعْ﴾ وفي نصب ﴿طَوْلاً﴾ ثلاثة أوْجُهٍ : أظهرُهَا : أنَّه مفعول بـ " يستطيع " وفي قوله " أنْ ينكح " على هذا ثلاثة أوجه : أحدها : أنَّه في محلِّ نصبٍ بـ " طولاً " على أنَّهُ مفعول بالمصدر المنون ؛ لأنَّه مصدر ؛ وطلت الشيء أي : نلتُهُ، والتَّقدير : ومن لم يستطع أنْ ينال نكاح المحصنات [المؤمنات]، ومثله قول الفَرَزْدَقِ :[الكامل] ١٧٨٤ - إنَّ الْفَرَزْدَقَ صَخْرَةٌ مَلْمُومَةٌ
طَالَتْ فَلَيْسَ يَنَالُهَا الأوْعَالاَ
أي : طالت الأوْعَالُ فلم تَنْلها، وإعمالُ التصدر المنوَّن كثيثر قال الشَّاعِرُ :[الوافر] ١٧٨٥ - بِضَرْبٍ بِالسُّيُوفِ رُؤُوسَ قَوْمٍ
أزَلْنَا هَامَهُنَّ عَنِ المَقِيلِ
وقول الله تعالى ﴿أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً ذَا﴾ [البلد : ١٤، ١٥] وهذا الوجه ذهب إليه الفارسي.
الثاني :﴿أَن يَنكِحَ﴾ بدل من ﴿طَوْلاً﴾ بدل الشَّيْءِ من الشَّيْءِ ؛ لأنَّ الطول هو القدرة، أو الفضل، والنِّكَاحُ قدرة وفضل.
الثَّالثُ : أنَّهُ على حذف حرف الجَرِّ، ثم اختلف هؤلاء، فمنهم مَنْ قَدَّرَهُ بـ " إلى " أي : طولاً إلى أن ينكح المُحْصَنَاتِ، ومنهم من قَدَّرَهُ باللامِ أي : لأن ينكح، وعلى هذين التَّقديرين، فالجارّ في محلِّ الصِّفَةِ لطولاً، فيتعلَّق بمحذوف، ثُمَّ لما حُذِفَ حرف الجرِّ فالخلاف المشهُورُ في محل " أن " أنصبٌ هو أم جرٌّ ؟.
٣١٧
وقيل : اللامُ المقدّرة مع " أنْ " هي لام المفعول من أجله، أي : لأجل نِكاحِهنَّ.
الوجه الثَّاني من نصب ﴿طَوْلاً﴾ : أن يكون مفعولاً له على حذف [مضاف] أي : ومن لم يستطع منكم لعدم طول نكاح المحصنات، وعلى هذا فـ " ان ينكح " مفعول " يستطع " أي : ومن لم يستطع نكاح المُحْصَنَات لعدم الطُّوْلِ.
الوجه الثالثُ : أن يكون مَنْصُوباً على المصدر.
قال ابْنُ عَطيَّة : ويصحُّ أن يكون طَوْلاً نصباً على المَصْدَرِ، والعامِلُ فيه الاستطاعة [لأنَّهما بمعنى و ﴿أَن يَنكِحَ﴾، على هذا مفعول بالاستطاعة، أو] بالمصدر يعني أنَّ الطولَ هو الطاعة في المعنى، فَكَأنَّهُ قيل : ومن لم يستطع منكم استطاعة، والطَّوْلُ :[الفضل ومنه] التطول وهو التَّفضل قال تعالى ﴿ذِي الطَّوْلِ﴾ [غافر : ٣] ويقال : تطاولَ لهذا الشَّيءِ أي تناوله كما يقالُ : يد فلان مبسوطة، وأصل هذه الكلمة من الطُّولِ الّذي هو ضدّ القصر ؛ لأنَّهُ ذَا كان طويلاً ففيه كمال وزيادة [كما أنه إذا كان قصيراً ففيه قصور ونقصان، فسمى الغنى طولاً لأنه ينال به المراد ما لا ينال عند الفقر] كما أنَّ بالطول ينال ما لا ينال بالقصر.
قال ابنُ عبَِّاس ومُجاهدٌ وسعيدُ بنُ جبيرٍ والسُّديُّ وابنُ زيدٍ، ومالكٌ :" الطَّول هو السَّعة، والغنى " قيل : والطَّوْلُ : الحرة، ومعناه : أنَّ من عنده حرَّة لا يجوز له نكاح [أمة]، وإن عَدمَ السَّعَةَ، وخاف العَنَتَ ؛ لأنَّه طالب شهوة وعنده امرأة، وهو قول أبِي حنيفَةَ [وبه قال الطَّبرِيُّ].
وقال أبُو يُوسفَ : الطَّوْلُ هو وجود الحرَّة تحته، وقيل : الطَّوْلُ هو التَّجلد والصبر كمن احبَّ أمةً، وهويها حتَّى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج [عليها] غيرها، فإنَّ له أن يتزوّج الأمَةَ إذا لم يملك مهرها، وخاف أن يبغي بها، وإن كان يجد سَعَةً في المال لِنِكَاحِ حرَّةٍ.
وهذا قول قَتَادَةَ والنَّخَعِيِّ وعطاءٍ، وسفيان والثَّوْرِي نقله القُرْطُبِيُّ.
٣١٨