قال تعالى :﴿وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لأَعْنَتَكُمْ﴾ [البقرة : ٢٢٠] أي : لشدَّدَ الأمرَ عليكم، وأُريدَ بِهِ به هُنَا ما يجرُّ إليه الزِّنَا منَ العذاب الدُّنْيَوِيِّ، والأخرويِّ.
وقال بعضُ المفسِّرينَ : إنَّ الشَّبق الشَّديدَ في حقِّ النساء قد يؤدِّي إلى اختناق الرَّحم، وأمَّا في حقِّ الرِّجالِ فقد يردي إلى أوجاعِ الوركين والظهر والأوَّل هو اللائِقُ ببيان القرآن.
و " منكم " حالٌ من الضَّميرِ في " خشيِ " أي : في حال كَوْنِهِ مِنْكُمْ، ويجوزُ أن تكون " من " للبيان.
قوله :﴿وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾.
مبتدأ وخبر لتأوله بالمصدَرِ وهو كقوله ﴿وَأَن تَعْفُوا ااْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [البقرة : ٢٣٧] والمعنى وأنْ تَصْبِرُوا عن نكاح الإماء متعفِّفينَ خيرٌ لكم لما بَيَّنَا من المفاسدِ الحاصلة في هذا النَّكَاحِ.
قال عليه الصلاة والسلام :" الحَرَائِرُ صَلاَحُ البَيْتِ، والإمَاءُ هَلاَكُهُ ".
وقال الشاعر : ١٧٨٧ - وَمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهِ قَهْرَمَانَةٌ
فَذلِكَ بَيْتٌ لا أبَالَكَ ضَائِعُ
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وقال الآخر :[الطويل] ١٧٨٨ - إذَا لَمْ يَكُنْ فِي مَنْزِلِ المَرْءِ حُرَّةٌ
تُدَبِّرُهُ ضَاعَتْ مَصَالِحُ دَارِهِ
فصل مذهب أبي حنيفة وأحمد : أنَّ الاشتغال بالنِّكاح أفضل من الاشتغال بالنَّافلة، فإن قالوا بهذا سواء كان نكاح حرَّةٍ أو نكاح أمةٍ فهذه الآية نصَّ في بطلان قولهم، وإن قالوا : إنَّا لا نرجِّح نكاح الأمة على النَّافلة، فحينئذٍ يسقط استدلالهم.
ثم قال :﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ وهذا كالمؤكّد لما ذكره ؛ لأنَّ الأولى ترك هذا النِّكاح يعني أنَّهُ وإنْ حصل ما يقتضي المَنْعَ من هذا النِّكَاحِ إلا أنَّهُ تعالى أباحه لاحتياجكم إليه، فكان ذلك من باب المغفرة والرَّحْمَةِ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
للنَّاس في مثل التركيب مذاهب، فمذهبُ البصريين أنَّ مفعول " يريدُ " محذوف
٣٢٩
تقديره يريد اللهُ تحريم ما حرَّم [عليكم] وتحليل ما حلَّل، وتشريعَ ما تقدَّم لأجلِ التَّبيين لكم، ونسبه بعضهم لسيبويه، فتملَّقُ الإرادة غير التّبيين وما عطف عليه، وَإِنَّما تأوَّلوهُ بذلك ؛ لئلاَّ يلزم تعدّي الفعل إلى مفعوله المُتَأَخّر عنه باللاَّمِ، وهو ممتنع وإلى إضمار " إن " بعد اللام الزائدة.
والمذهبُ الثَّانِي - ويُعْزَى أيضاً لبعض البصريّين - : أن يُقَدَّرَ الفعل الَّذي قبل اللاَّم بمصدر في محلِّ رفع بالابتداء، والجارُ بعده خبره، فيقدر : يريدُ اللهُ ليبيِّن إرادة اللهَ تعالى للتّبيين وقوله :[شعر] [الطويل] ١٧٨٩ - أُرِيدُ لأنْسى ذِكْرَهَا [فَكَأَنَّمَا
تُمَثَّلُ لِي لَيْلَى بِكُلِّ سَبيلِ]
أي : إرادتي، وقوله تعالى ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ﴾ [الأنعام : ٧١] أي : أُمِرْنَا بما أُمِرْنَا لنسلم، وفي هذا القول تأويل الفعل بمصدر، من غير حرف مصدر، وهو ضعيفٌ نحو :" تَسْمَعُ بالمعيديِّ خيرٌ من أن تراه " قالوا : تقديره : أن تسمع فلما حذف " أن " رفعِ الفعل وهو من تأويل المصدر لأجل الحرف المُقدَّر [فكذلك هذا] فلام الجرِّ على الأوَّل في محلِّ نصب لتعلقها بـ " يُريدُ " وعلى الثَّاني في محلِّ رفع لوقوعها خبراً.
الثالث : وهو مذهبُ الكوفيّين أنَّ الرمَ هي النَّاصبة بنفسها من غير إضمار " انْ "، وما بعدها مفعول الإرادة، لأنَّها قد تُقَامُ اللامُ مقام " أنْ " في : أردت وأمرت، فيقال : أردتُ أن تذهب، وأردت لتذهب، وأمرتك لتقُومَ، وأمرتُكَ أن تَقُومَ، قال تعالى :﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ﴾ [الصف : ٨]، وقال في موضع آخر :[ ﴿يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ﴾ ] [التوبة : ٣٢].
وقال :﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأنعام : ٧١] وفي موضع آخر :﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ﴾ [غافر : ٦٦] وقال :﴿وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ [الشورى : ١٥] أي : أنْ أعدل بينكم، ومنع البصريُّون ذلك ؛ لأنَّ اللام ثبت بها الجرُّ في الأسماء، فلا يجوزُ أن ينصب بها فالنَّصب عندهم بإضمار " أنْ " كما تَقَدَّمَ.
الرَّابِعُ، وإليه ذهب الزَّمخشريُّ، وأبُو البقاءِ : أنَّ اللامَ زائدةٌ، و : أنَّ " مضمرة بعدها، والتَّبْيينُ مفعول [الإرادة.
قال الزمخشري :﴿يُرِيدُ اللَّهُ﴾ يريدُ اللهُ أن يُبيِّنَ، فزيدت اللامُ لإرادة التبيين، كَمَا] زيدت في " لا أبا لك " لتأكيد إضافة الأبِ وهذا خارج عن أقوال البَصْرِيِّيِنَ، والكوفيين، وفيه أن " أنْ " تضمر بعد اللام الزَّائدة، وهي لا تضمر فيما نصَّ
٣٣٠