قوله ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا ااْ أَنْفُسَكُمْ﴾ قرأ عَلِي - رضي اللهُ عنه - :" تُقْتَّلُوا " بالتَّشْديدِ على التكثير، والمعنى لا يَقْتلُ بَعضُكُم بعضاً، وإنَّما قَالَ ﴿أَنْفُسَكُمْ﴾ لقوله عليه الصَّلاةُ والسَّلام :" المُؤْمِنُونَ كنَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ولأن العَرَبَ يَقُولُونَ " قُلْنَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ " إذا قتل بعضهم ؛ لأنَّ قتل بعضِهِم، يجري مَجْرَى قَتْلِهِمْ.
فإن قيل : المُؤمِنُ مع إيمانِهِ لا يجُوزُ أن ينهى عَنْ قَتْلِ نَفْسِهِ، لأنه ملجأ إلى ألاَّ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، لأنَّ الصَّارِفَ عنه قائمٌ، وهو الألَمُ الشَّديدُ، والذَّمُّ العَظِيم، والصَّارف عنه في الآخرة قَائِمٌ وهو استحقاقُ العَذَابِ العَظِيمِ.
إذا كان كذلك، لم يَكُنْ للنَّهْيِ عَنْهُ فائدة، وإنَّمَا يُمْكِنُ هَذَا النهي، فِيمَنْ يَعْتَقِدُ في قَتْلِ نَفْسِهِ ما يعتقدُهُ أهْلُ الهِنْدِ، وذَلِكَ لا يَتَأتَّى مِنَ المُؤْمِنِ.
فَالجَوَابُ : أنَّ المُؤْمِنَ مع إيمانِهِ، قد يَلْحَقُهُ مِنَ الغَمِّ، والأذِيَّةِ ما يكُونُ القَتْلُ عليه أسْهَل مِنْ ذلك، ولذلك نَرَى كَثيراً مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقْتَلُونَ أنْفُسَهُم، بمثل السَّبَبِ الذي ذَكَرْنَاهُ، ويحتمل أنَّ مَعْنَاهُ لا تَفْعَلُوا ما تَسْتَحِقُّونَ به القتل كالزِّنَا بعد الإحْصَانِ والرِّدَّةِ، وقتلِ النَّفْسِ المعصومة، ثمَّ بيَّنَ تعالى أنَّهُ رحيمٌ بعباده، ولأجْلِ رحمته نهاهم هم كُلِّ ما يستوجبون به مَشَقَّة، أو مِحْنَة حَيْثُ لم يأمرهم بقتلهم أنفسَهُم كما أمَرَ به بني إسرائيل ليَكُونَ تَوْبَةُ لهم وكان بكُم يَا أمَّة محمَّد رحيماً، حيث لم يكلفكم تلك التَّكاليف الصَّعْبَة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٣٦
قوله :﴿وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ﴾ " مَنْ " شرطيَّة [مبتدأ]، والخبر " فَسَوْفَ " والفاءُ هنا واجبة لِعَدَمِ صلاحيَّةِ الجَوَابِ للشَّرْطِ، و " ذَلٍكَ " إشارةٌ إلى قتل الأنفُسِ قال الزَّجَّاجُ : يَعُودُ إلى قَتْلِ الأنْفُسِ، وأكل المالِ بالبَاطِلِ ؛ لأنَّهُمَا مذكوران في آية واحدة.
وقال ابْنُ عَبَّاسٍ : إنَّهُ يعودُ على كُلِّ ما نهى اللهُ عنه من أوَّلِ السُّورةِ إلى هذا المَوْضعِ، وقال الطَّبريُّ :" ذلك " عائد على ما نهي عنه من آخر وعيد وذلك قوله تعالى :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً﴾ [النساء : ١٩] ؛ لأنَّ كل ما ينهى عنه من أوَّلِ السُّورةِ قرن به وعيد، إلا مِنْ قوله :﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَآءَ كَرْهاً﴾ [النساء : ١٩] فإنَّهُ لا وعيدَ بَعْدَهُ إلا قوله :﴿وَمَن يَفْعَلْ ذالِكَ عُدْوَاناً﴾ [النساء : ٣٠]
٣٤٠
الآية.
وقيل الوعيد بذكر العُدْوَانِ والظُّلْمِ، ليخرج منه فعل السَّهْوِ والغلط، وذكر العًُدْوَانِ، والظُّلْمِ مع تقارب معناهما لاختلافِ ألفاظِهِما كقوله :" بُعْداً " و " سُحْقاً " وقوله يعقوب عليه السلام :﴿إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ﴾ [يوسف : ٨٦] وقوله :[الوافر] ١٧٩١ أ -...........................
وألْفَى قَوْلَهَا كَذِباً وَمَيْنَا
و " عدواناً وظلماً " حالان أي : متعدياً ظالماً أو مفعول من أجلها وشروط النصب متوفرة وقُرِئَ :" عِدْواناً " بكسر العين.
و " العدوان " : مُجاوَرَةُ الحَدّ، والظُّلْمُ : وضع الشَّيْءِِ في غير مَحَلِّه، ومعنى ﴿نُصْلِيهِ نَاراً﴾، أي : يمسُّه حَرُّهَا.
وقرأ الجمهور :﴿نُصْلِيهِ﴾ من أصْلَى، والنون للتعظيم.
وقرأ الأعْمَشُ :" نُصْلِّيه " مُشَدّداً.
وقرئ :" نَصْليه " بفتح النُّونِ من صَلَيْتُه النَّار.
ومنه :" شاة مصلية ".
و " يصليه " بياء الغَيْبَةِ.
وفي الفاعِلِ احتمالان : أحدهُمَا : أنَّهُ ضميرُ الباري تعالى.
والثًَّاني : أنَّهُ ضميرٌ عائدٌ على ما أُشير به إلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ ؛ لأنَّهُ سَبَبٌ في ذلك ونكر " ناراً " تعظيماً.
﴿وَكَانَ ذالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً﴾ أي : هيناً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٠
قرأ ابْن جُبَيْرٍ، وابنُ مَسْعُود :" كَبِيرَ " بالإفراد والمرادُ به الكُفْرُ وقرأ المفضّلُ :" يُكَفِّر "، " ويدخلكم " بياء الغَيْبَةِ للهِ تعالى.
وقرأ ابْنُ عَبَّاسٍ :" من سيئاتكم " بزيادة " من ".
وقَرَأَ نَافِعٌ وحده هنا وفي الحج :" مَدْخَلاً " بفتح الميم، والباقُونَ بضمها، ولم يَخْتَلِفُوا في ضَمِّ التي في
٣٤١