وإما أن تستدلوا به من حيث أنَّ المعلق على الشيء بكلمة " إن " عدم عند عدم ذلكَ، فهذا أيضاً ضعيفٌ لقوله تعالى :﴿وَاشْكُرُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ إِن كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [النحل : ١١٤] والشكر واجب مطلقاً ولقوله تعالى ﴿فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ﴾ [البقرة : ٢٨٣] وأداء الأمانة واجب مطلقاً ولقوله تعالى ﴿فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ﴾ [البقرة : ٢٨٢] يجوزُ شهادَتُهُم مع وُجُودِ الرِّجَالِ وقوله :﴿وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ﴾ [البقرة : ٢٨٣]، ﴿وَلاَ تُكْرِهُواْ فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً﴾ [النور : ٣٣]، ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ النِّسَآءِ﴾ [النساء : ٣].
وقوله ﴿أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ااْ إِنَّ الْكَافِرِينَ﴾ [النساء : ١٠١].
﴿فَإِن كُنَّ نِسَآءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ﴾ [النساء : ١١] ﴿إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَآ﴾ [النساء : ٣٥]، ﴿وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ﴾ [النساء : ١٣٠].
وهذا كُلُّهُ يَدُلُّ على العدمِ بهذا الكلامِ، والعَجَبُ أنَّ القَاضِي عَبْدَ الجبَّارِ لا يرى أنَّ المعلّق على الشَّيءِ كلمة " إنْ " عدمٌ عنه العدمِ، واسْتَحْسنَ في التَّفْسير استدلاله على الكفر بهذه الآية.
الجوابُ الثَّاني : قال أبُو مُسْلِمِ : جَاءَت هذه الآيةُ عقيبَ نِكَاحِ المحرَّمات، وعضل النِّسَاء، وأخذ أمْوالِ اليتامى [وأكل المال بالباطل و] غير ذلك فالمُرادُ إن تجتنبوا هذه الكبائرِ التي نهيناكم عنها، كَفرنَا عنكم سَيِّئاتِكُمْ [أي : ما سلف] من ارتكابها وإذا احْتملَ هذَا ؛ لم يَتَعيَّن ما ذكرهُ المعتزِلَةُ، واعترضه القاضي بوجهين : أحدهُمَا : أنَّ الآية عامَّة، فلا تخْصيصَ بِذَلِكَ.
الثَّانِي : أن اجتنابهم إمّا أنْ يكُونَ مع التَّوْبَة، والتَّوْبَةُ قد أزالت العقاب أو بدونها، فمن أيْنَ أنَّ اجتنابَ هذه الكبائِر، تُوجِبُ تكفيرَ تلك السَّيّئَاتِ.
والجواب عن الأوَّلِ : أنّا لا نَدْفَعُ القَطْعَ بذلك، بل نَقُولُ : هو يحتمل، فلا يَتعيَّن ما ذكرتموه.
وعن الثَّاني : أنَّ ما ذكروه لا يَقْدَحُ في الاحتمال المذكور [هنا].
الجوابُ الثَّانِي : أنَّ المَعَاصِي : قد تكُونُ كبيرَة بالنِّسْبَةِ إلى شيء، صغيرة بالنسبة إلى شَيْءٍ آخر، وكذلك العكسُ، فليس ثمّة ما يكونُ كبيرةً مطلقاً، إلا الكُفْر، وأنواعه
٣٤٦