تخلفهن عن المُضاجَعَةِ معكم، وفيه نَظَرٌ لا يخفى.
وكلام الوحِدِي يُفْهِم أنَّهُ يجوزُ تعلُّقه بـ ﴿نُشُوزَهُنَّ﴾، فإنه قال - بعدما حكى عن ابْنِ عَبَّاسٍ كلاماً - : والمعنى على هذا :" واللاتي تخافون نشوزهن في المضاجع "، والكلامُ الذي حَكاهُ عن ابن عباس هو قوله : هذا كُلُّهُ في المَضْجَعِ، إذا هي عَصَتْ أن تَضْطَجِعَ مَعَهُ، ولكن لا يجوزُ ذلك ؛ لئلاّ يلزمَ الفَصْلُ بين المَصْدَرِ ومعموله بأجنبيّ.
وقدّر بعضهم مَعْطُوفاً بعد قوله :" واللاتي تخافون "، أي : واللاتي تخافون نشوزهن، ونَشَزْنَ، كأنَّهُ يريد أنَّهُ لا يجوُز.
ُ الإقدام على الوَعْظِ، وما بعده بِمُجَرَّدِ الخَوْفِ.
وقيل : لا حَاجَةَ إلى ذلك ؛ لأنَّ الخَوْفَ بمعنى اليقين [قال تعالى ﴿فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفاً﴾ [البقرة : ١٨٢]، قال ابن عباسٍ : تخافون بمعنى تتيقّنون]، وقيل : غلبة الظنِّ في ذلك كافِيَةٌ.
قوله :﴿وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ يعني : أنَّهُنّ [إن] لم ينزعن مع الهجران فاضربُوهُنَّ، يعني ضرباً غَيْرَ مُبَرَّحٍ، ولا شَائِنٍ.
قال عَطَاءٌ :" [هو] ضَرْب بالسِّواكِ ".
وقال عليه السَّلامُ في حقّ المرْأةِ :" أنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمَتْ، وتكسوها إذا اكْتَسَيت، ولا تضرب الوَجْهُ، ولا تهجر إلاَّ في البَيْتِ ".
قال الشَّافِعيُّ : يكُونُ دون الأرْبَعينَ.
وقال بعضُهُم : لا يَبْلغُ به عِشْرِينَ، لأنَّهُ حدٌّ كامِلٌ في حَقّش العبد، ويكونُ بحيث لا يُفْضي إلى الهَلاَكِ، ويَكُونُ مفرقاً على بدنها، ولا تجوزُ الموالاة في مَوْضِعٍ واحدٍ، ويتقي الوجه.
قال بعضُ العُلَمَاءِ : يكُونُ الضَّرْبُ بمنديلٍ مَلْفُوفٍ، أو بِيَدِهِ، ولا يَضْرِبُهَا بالسِّياطِ، ولا بالعَصَا، وبالجملة فالتَّخفيفُ مراعى في هَذَا البَابِ.
قال الشَّافعيُّ :" الضَّرْبُ مُبَاحٌ وتركُهُ أفْضَلُ ".
٣٦٥
واختلفوا : هل هذا الحُكْمُ على الترتيبِ، أم لا ؟ قال عَلِيُّ بْنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - : يَعِظُهَا بِلِسَانِهِ، فإنْ أبَتْ هَجَرَهَا فِي المَضْجَعِ [فإن أبتْ ضَرَبَهَا]، فإن لم تَتَّعِظْ بالضَّرْبِ بَعَثَ الحكم [مِنْ أهْلِهِ].
وقال آخرون : هذا الترتيب مراعى عند خَوْف النُّشُوزِ أمّا عند تحقق النشوز، فلا بأس بالجمع بين الكُلِّ.
قوله :" [فإن أطعنكم] فلا تبغوا عليهن سبيلاً " في نَصْبِ " سبيلاً " وجْهَانٍ : أحدهما : أنه مفعول به.
والثَّانِي : أنَّهُ على إسْقَاطِ الخَافِضِ، وهذان الوَجْهَانِ مبنيان على تفسِير البَغْي هنا ما هو ؟ فقيل : هو الظٌّلْمُ من قوله :﴿فَبَغَى عَلَيْهِمْ﴾ [القصص : ٧٦]، فعلى هذا يَكُونُ لازِماً، و " سبيلاً " منصوب بإسْقَاطِ الخَافِضِ أي : كسبيل.
وقيل : هو الطَّلب، من قولهم : بَغَيْتُه، أي : طلبته، وفي ﴿عَلَيْهِنَّ﴾ وجهان : أحدهما : أنه متعلّق بـ ﴿تَبْغُواْ﴾.
والثَّاني : أنَّهُ مُتَعَلِّق بمحذوفٍ على أنَّهُ حالٌ من ﴿سَبِيلاً﴾، لأنه في الأصلِ صفة النكرة قُدِّم عليها.

فصل قال بعضُهُم : معناه : لا تتجنّوا عليهنَّ بقولٍ، أو فِعْلٍ.


قال ابْنُ عيينَةَ لا تكِّفوهُنَّ محبتكم، فإنَّ القلب ليس بأيديهن، ثم قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾ مُتعلياً عن أنْ يكلّف العبادَ ما لا يُطيقُونَهُ، فلذلك لا تُكلفوهنّ محِبَتَكُم، فإنهن لا يطقنَ ذِلكَ.
وقيل : إنَّهُ مع عُلُوِّهِ، وكبريائه لا يُؤاخِذُ العَاصي إذَا تَابَ، فأنتم أولى إذا تابت المرأةُ من نُشُوزِهَا بأن تقبلوا تَوْبَتَهَا، وقيل : إنَّهُنَّ إن وضعن عن دَفْعِ ظلمكم فاللهُ سبحانه كبيرٌ عليٌّ قاهر يَنْتَصِفُ لَهُنَّ مِنْكُمْ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٥٩
لما ذكر الضربَ ذَكَرَ هذه المحاكمة ؛ لأنَّ بها يتبينّ المظلومُ من الظَّالِمِ.
٣٦٦


الصفحة التالية
Icon